نقاب.. ونخبة

TT

آخر استطلاعات الرأي حسب ما نشرته الصحف البريطانية تشير إلى أن 67 في المائة من البريطانيين يؤيدون قانونا يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة على غرار المشروع الذي قدم في فرنسا، ودول ومدن أوروبية أخرى. ولا بد أن هذا هو ما دفع نائب محافظ إلى تقديم اقتراح إلى البرلمان باستصدار تشريع من تغطية الوجه في الأماكن العامة.

لا يوجد جديد أو شيء مثير في كل ذلك، فجدل النقاب مستمر منذ فترة في الدول الأوروبية رغم أن نسبة النساء اللاتي يضعن النقاب من المسلمات في هذه الدول لا تتجاوز 1% على أكثر تقدير، ولا شيء يشير إلى أنها يمكن أن ترتفع عن هذا المستوى.

المثير، والذي يستحق استخلاص دروس منه، هو الموقف العام للنخبة السياسية والثقافية البريطانية التي سارعت إلى رفض مجرد فكرة استصدار تشريع من البرلمان يحدد للناس ماذا يرتدون أو لا يرتدون. فحتى النائب الذي قدم المشروع يعرف أنه لا توجد أمامه فرصة واحدة في المائة لتمرير قانون كهذا.

وقد رد وزير الهجرة البريطاني في مقابلة صحافية عاكسا الموقف العام تجاه مثل هذه الفكرة بقوله إنه من غير المحتمل أو غير المرغوب أن يحاول البرلمان البريطاني استصدار قانون يفرض على الناس ما يرتدونه وهم يسيرون في الشارع. فهذا شيء غير بريطاني باعتبار أن المجتمع قائم على التسامح والاحترام المتبادل. وفي نفس الاتجاه تحدثت وزيرة بريطانية أخرى، بينما كان الموقف العام الذي لا يزال مسيطرا على النخبة السياسية والثقافية هو رفض فكرة المضي في هذا الطريق. وبالتالي فإن الرؤية الغالبة في البرلمان هي رفض مثل هذا التشريع.

وبالتأكيد فإن الوسط السياسي، بما في ذلك أعضاء البرلمان، يدرك أن هناك اتجاها قويا وسط الناخبين يعارض النقاب ويتمنى حظره، وهو ما عكسته استطلاعات الرأي التي أظهرت نسبة تصل إلى ثلثي الناخبين تؤيد صدور تشريع بهذا الشكل. لكنّ هؤلاء السياسيين فضلوا التأكيد على قيم التعايش والتعدد داخل المجتمع البريطاني والوقوف ضد هذا التيار، بدلا من أسلوب الشعبوية والتهييج الذي يدغدغ عواطف الرأي العام ويتقنه البعض في المجتمعات العربية، وأصحابه أول من يعرف أنه يضر المجتمع.

فالنخبة في أي مجتمع - إذا كانت حقيقية فعلا - يجب أن تكون قادرة على القيادة وليس الانسياق وراء الاتجاه العام لترسخ نظرية القطيع، وتستطيع أن تمارس دورا مسؤولا في حماية المجتمع من حالاته الانفعالية التي عادة ما تكون وقتية، وتطرح الرأي الذي ترى أنه الصحيح حتى وإن لم يكن يلاقي الهوى العام. وهي عندما تفعل ذلك فإنها تمارس الدور الحقيقي للنخبة في الارتقاء بالمجتمع والتفاعل معه.

وفي قضية النقاب في بريطانيا لا أحد يؤيد الظاهرة سواء على صعيد النخبة أو الاتجاه الرئيسي للرأي العام، لكن المبدأ السائد هو احترام الحرية الشخصية في ارتداء ما يريده كل شخص. وبعيدا عن قضية النقاب فإن رد الفعل من قبل النخبة البريطانية على مشروع القانون الذي قدمه النائب يعكس حيوية وثقة هذه النخبة في نفسها، وقدرتها على قيادة مجتمعها.