استهداف شباب الصحوة.. الحكومة متهمة

TT

قبل نحو سنتين كتب الأخ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» مقالا بعنوان «هل هو الغدر بأبناء الصحوة»، سلط فيه الضوء على ما يحاك ضد هؤلاء الشباب، فيما بقي كبار السياسيين العراقيين المعنيين بمصير قوات الصحوة عاجزين عن اتخاذ موقف يتلاءم وخطورة المرحلة، وكذلك حال معظم الكتاب العراقيين.

لقد شهدت الأيام القليلة الماضية سلسلة هجمات استهدفت شباب الصحوة في مناطق متفرقة، كان من أخطرها مقتل نحو خمسين شخصا في الرضوانية وغرب العراق. ومرت العمليتان كأن شيئا لم يحدث. فلم يعلن حداد محلي كما فعلوا في أماكن وحالات أخرى، ولم يرسل القائد العام برقيات تعزية، ولم يعقد مؤتمرا صحافيا، ولم يخصص مساعدات فورية لذوي الضحايا، كما فعل في حالات من نمط آخر. ولا أريد أن أتهم بإساءة الظن وأقول ما أراه في قلبه وتفكيره، لأنه بالأساس كان متحسسا من موضوع الصحوة. فهل ستوجه الحكومة بصرف رواتب تقاعدية لذوي الضحايا ومساعدة الجرحى؟ أم ستتركهم، بذريعة أنهم ليسوا موظفين، ولم يقتلوا أثناء الواجب؟

ومما يثير الشك أن معظم الهجمات على هؤلاء المتطوعين قد حققت أغراضها ولم تحبط عملية واحدة. فيما فشل المهاجمون في شن هجمة واحدة مؤثرة أو غير مؤثرة على تجمع لحزب الدعوة مثلا، ولم يتعرض مسؤول قيادي من هذا الحزب لأذى خلال ولاية الحكومة الحالية! فيحق الاستفهام: لماذا؟ هل لأنهم محصنون بإمدادات غيبية أيضا؟ أم أن الذين يخططون العمليات يوجهون المنفذين صوب شباب الصحوة وشيوخها، واستهداف الأبرياء كما حصل في هجمات الكاظم وحسينية أبو صيدة في ديالى الأسبوع الماضي لإثارة العنف الطائفي من جديد؟

لنأخذ الموضوع من الناحية الفنية البسيطة أولا. فالذين سقطوا في الرضوانية كانوا يتجمعون لتسلم رواتبهم - التي أصبحت شبه منة عليهم - من مقر وحدة عسكرية طبقا لما نشر. فلماذا تستطيع الوحدة حماية جنودها وتفشل في حماية هؤلاء؟ وهل يعقل الإبقاء على سياقات فاشلة ساعدت في تكرار هجمات دموية مماثلة من قبل؟ ولا يوجد ما يمنع تكرارها إن لم تتخذ إجراءات صارمة.

يبلغ عدد شباب الصحوة نحو 120 ألفا. أي 12% من قوى الأمن. فهل ستكون مشكلة لو أدخلوا جميعا في هذه القوات بدل التلكؤ في ضم 20% منهم، ولا دليل على دقة التنفيذ؟ ولو حسبت حصة الشريحة التي ينتمون إليها ضمن معادلات المحاصصة المتبعة لجرى احتواؤهم جميعا! لكن حتى المحاصصة لا عدل في تطبيقها.

شباب الصحوة لم يكونوا مرتزقة لتجري تسوية أجورهم بعد انتهاء المهمة، بل قاموا بعمل عجزت القوات الأميركية والحكومية عن تحقيقه. وهم اليوم يتحملون تبعاته. فمرة يقولون إن السلاح قد سحب منهم، ومرة يتحدثون عن إلغاء إجازات حمل أو حيازة السلاح، ومرة يشكون من عدم الالتزام في انتظام توزيع الرواتب. وقد تعرض كثير من قادتهم للاعتقال بتهم مختلفة بعد أن أبلوا في الدفاع ضد قوى الإرهاب المتعدد.

أسلوب التصرف تجاه شباب الصحوة يعطي صورة واضحة عن نهج طائفي لا مثيل له. مما يتطلب من كافة الكتل السياسية التحرك لوقفه وفقا للقوانين ومبادئ المواطنة المتساوية. ولا ينبغي أن يكون التحرك من مسؤولية الكتلة العراقية وحدها، ولو أنها لم تتحرك بما فيه الكفاية حتى الآن. ومطلوب تناول مثل هذه المواضيع المهمة جدا من قبل رئيس المجلس الأعلى السيد عمار الحكيم بتوسيع نطاق منبر التوعية الثقافية الأسبوعي، الذي أثبت تأثيرا كبيرا في معالجة المعضلات التي تسببت الحكومة في توفير ظروف استعصائها.

كثيرة هي نقاط الاتهام والشك في عشرات الهجمات الدموية ذات الطابع الخاص، وفي كل مرة يقولون إنهم شكلوا هيئات تحقيقية. ثم تذوب المطالبات الخجولة بجرائم عملياتية منظمة تتبعها. وفي كل الأحوال فإن حكومة المالكي - بصرف النظر عن مستوى المسؤولية - متهمة بالتقصير في اتخاذ التدابير الأمنية، لا سيما أن كثيرا من الهجمات تتخذ نمطا متشابها، وكلما تكرر النمط تتوافر فرص كبيرة لإحباط الهجمات. فلماذا التقصير؟ ويبدو أن حصانة الحكومة لا حدود لها، وإلا ما هذا السكوت السياسي والإعلامي تجاه هذه المهازل الأمنية.

هل يحلم حاكم في بغداد بيوم يعين فيه نفسه نائبا ثانيا للإمام الغائب؟ هذا خيال لا يتحقق في العراق.