الاحتباس الحراري والالتباس.. و«براءة» فضيحة المناخ

TT

رغم الكوارث الطبيعية التي حدثت والتقارير والبحوث العلمية الكثيرة والدقيقة الصادرة عن هيئات ومراكز علمية وبحثية مرموقة وموثوقة، والتي تؤكد على حقيقة ظاهرة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، فإن هناك من ينكر ويشكك ويجادل في حقيقة هذه الظاهرة، ويلتبس عليه بعض الأمور والمسائل المتعلقة بها، وبخاصة عند وجود درجة من عدم الثقة والمصداقية والانفصال بين العلماء وعامة الجمهور، فقد يرى بعض العلماء أن العلوم والبحوث والقضايا العلمية أمور متخصصة جدا لا دخل لعامة الجماهير بها، والبعض من الجماهير ينظرون للعلماء نظرة سلبية بارتياب وقد يشككون في مصداقيتهم، الأمر الذي قد يعوق تقبل واقتناع وتفاعل الجماهير بسهولة للمستجدات والقضايا العلمية المطروحة للنقاشات، وقد يكون أهم أسباب ذلك ضعف الاتصال والتواصل الفعال بين العلماء وعامة الجمهور أو نتيجة تشويه في الرسالة العلمية أثناء نقلها للجمهور.

ففي شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي طالعتنا وكالات الأنباء العالمية بفضيحة الرسائل الإلكترونية التي عرفت بـ«فضيحة المناخ» «مناخ – غيت» Climategate (في إشارة إلى فضيحة ووتر غيت)، وهي عن تسرب رسائل بريدية إلكترونية من «وحدة علوم المناخ» البارزة، التابعة لجامعة «إيست إنجيليا» البريطانية المرموقة، بعدما نجح أحد قراصنة الإنترنت (هاكر) في اختراق جهاز الكمبيوتر الرئيسي لوحدة المناخ في الجامعة، وقام بنشر أكثر من ألف رسالة و3 آلاف وثيقة على الإنترنت، لإظهار أن العلماء يخفون معلومات وبيانات عن الجمهور تتعلق بحقيقة ظاهرة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية ومدى اتساع نطاقها وكذلك التلاعب ببيانات أخرى، وقد قالت الوحدة إن المعلومات التي تمت سرقتها مجتزأة ومقتطعة من سياقها الأصلي بشكل يفقدها صدقيتها.

وأعلنت الأمم المتحدة وقتها أنها ستجري تحقيقا حول تسرب هذه الرسائل الإلكترونية، وفيما إذا كان هناك أي دليل على التلاعب بالبيانات.

وبعد تحقيق استمر ستة شهور، وفي 7 يوليو (تموز) الحالي صدر التقرير المستقل (من 160 صفحة) والذي يحمل عنوان «مراجعة رسائل التغير المناخي»، وكشف عن عدم وجود دليل للتشكيك في صحة وأمانة العلماء المتورطين، وجاء في التقرير الذي قاده البريطاني السير «موير راسل» رئيس مجلس التعيينات القضائية في اسكوتلندا، أن العلماء في وحدة أبحاث المناخ بجامعة «إيست إنجيليا» لم يؤثروا بأي شكل على التقارير المفصلة التي قدمتها «اللجنة الحكومية الدولية للتغير المناخي»، والمتعلقة بحجم تهديدات التغيرات المناخية والاحتباس الحراري. وقال «راسل»: «لقد راجعنا هذا الأمر بدقة وتوصلنا إلى أن هذه السلوكيات لم تؤثر على حكمنا بشأن نزاهة العلماء وأمانتهم». وجاء في التقرير «إن علماء وحدة أبحاث المناخ فشلوا في تعاملهم مع مطالب العامة حول المعلومات المناخية بقدر كاف من الانفتاح».

«فضيحة المناخ»، تفتح الباب مجددا وعموما لمناقشة العلاقة بين العلم والمجتمع وطبيعة عمل العلماء، ووجود حالة من عدم الارتياح والثقة المتبادلة بين العلماء وعامة الجمهور، وكيف يمكن أن نعيد الثقة الكاملة في أعمال العلماء العلمية، ودرجة وحدود انفتاح ووضوح العلماء على عامة الجمهور والسماح لهم بالوصول والحصول على بيانات ومعلومات البحوث العلمية وتمكينهم من التحقق من نتائجها، بالإضافة إلى مناقشة اعتبارات وجوانب أخرى لها أهمية في الحياة العامة مثل وضوح الرسالة العلمية المراد توصيلها للجمهور واحتمالات تشويهها والضغوط عليها من قبل بعض المستفيدين، وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية تعوق تقبل الجماهير لها، وما يراه بعض العامة من احتمالات قيام بعض العلماء بالتلاعب في بيانات ونتائج أعمالهم العلمية لأهداف معينة، أو عدم كفاية المعلومات والبيانات المقدمة للجمهور، إلى غير ذلك من مسائل وقضايا، تفيد الإجابة عنها في إعادة الثقة وتقوية الاتصال بين العلماء والجمهور، والتي تعد ضرورية لتفعيل ونجاح الرسالة العلمية واتخاذ القرار، وكذلك في الاهتمام بالعلم وقيمته في المجتمع وتقدير دور وجهود العلماء.