الأميركي المنسي

TT

كانت عائلة دوغان تتسم بالهدوء وقلما كان يلاحظها الجيران هنا في المنطقة الشمالية داخل نيويورك. جاء أحمد دوغان من تركيا لدراسة المحاسبة في معهد «رينسيلار بوليتكنيك». وكان طالبا جادا، ولم تكن عائلة دوغان تقوم بكثير من الاحتفالات الترفيهية، ولكن أقامت العائلة حفلا عندما ولد الابن الأصغر، فرقان، عام 1991، ويتذكر أحد الجيران نخب «أول طفل أميركي في العائلة».

وعاش فرقان دوغان لعامين في تروي، وعاد إلى تركيا مع عائلته عام 1993، ولكنه كان فخورا بجواز سفره الأميركي وكان يحلم بالعودة بعد الانتهاء من الدراسة في كلية الطب. ولكن قضت خمس رصاصات إسرائيلية - اثنتان منها على الأقل في الرأس - على هذا الحلم في 31 مايو (أيار) الماضي. وكان عمر دوغان 19 عاما.

كان الأميركي الشاب، الذي أنهى للتو المدرسة العليا بدرجة امتياز داخل مدينة كايسيري التركية، قد رأى إعلانا على شبكة الإنترنت عن الحاجة إلى متطوعين لتوصيل المساعدات إلى غزة. وقال الإعلان، الذي نشرته مؤسسة خيرية تركية تدعى «مؤسسة الإغاثة الإنسانية»، إن هدف الرحلة إظهار أن الحصار الإسرائيلي يمكن خرقه بصورة قانونية.

لم يكن لدوغان اهتمام كبير بالسياسة، ولكن كانت لديه مشاعر قلق كطبيب طموح متعلقة بمعاناة الفلسطينيين، وكان له النصيب في الذهاب. وثمة خلاف حول الطريقة التي قُتل بها - كما هي الحال مع كل شيء يتعلق بسيطرة البحرية الإسرائيلية على ست سفن كانت متجهة إلى غزة - ولكن يعتقد والده أن كاميرا فيديو كان يحملها ربما أثارت الكوماندوز الإسرائيلي.

حسنا لقد قيل ما يكفي، هذه مقدمة قصة لم تقرأها عن الحياة القصيرة لفرقان دوغان، وهو أميركي قتلته القوات الإسرائيلية في المياه الدولية على السفينة «مافي مرمرة» التي كانت تحمل العلم التركي. وفي الحقيقة، لم أذهب إلى تروي، ولكني أجد بالفعل إهمالا لدوغان منذ وفاته قبل شهرين تقريبا، وأشك في أننا كنا سنسمع أكثر من ذلك لو كان الأميركي المقتول على هذه السفن هيدي إبستين، وهو ناجٍ من الهولوكوست مقيم في سانت لويس، أو إدوارد بيك، وهو سفير أميركي سابق لدى موريتانيا، وكنا سنقرأ الكلام نفسه الذي يكتب عقب موت أميركيين بالخارج في أعمال عنف أو خلال نزاعات.

ولدي شك أيضا في أنه لو كان الحادث مختلفا - مقتل طالب أميركي عمره 19 عاما يدعى مايكل ساندلر على يد مسلح فلسطيني داخل الضفة الغربية عندما حوصر وسط تبادل لإطلاق نيران بين الفلسطينيين والإسرائيليين - لغمرتنا قصص عن ذلك.

ولكن، تهبط حالة من البرود عندما يكون لديك مزيج يجمع بين كوماندوز إسرائيليين يقومون بإطلاق النيران، وأميركي يحمل اسم مسلم أجنبي، والحجج الاستباقية لإسرائيل ومناصريها الذين لن يتحملوا أي نوع من الانتقاد للدولة العبرية.

وتعد حالة البرود هذه شيئا سيئا. دعونا نفعل ما يتعين لنعرف كيف مات دوغان، و8 ضحايا غيره. إن منطقة الشرق الأوسط في حاجة إلى نقاش أكثر انفتاحا مع إسقاط المحظورات. والأمر يحتاج من مؤسسات اليهود الأميركيين البارزة أن تعزز نقاشا واسعا بدلا من جعل «حريتهم تقف عند عتبة الصهيونية»، مثلما قال بيتر بينارت في مقال مهم نشر مؤخرا في مجلة «نيويورك رفيو أوف بوكس».

ودعونا نواجه الأمر كما هو؛ من دون حالة الغضب التي تلت الهجوم على الأسطول والتي ساعدت إدارة أوباما على أن تطرح تساؤلات بشأن خنق إسرائيل لغزة، لكانت إسرائيل لا تزال تفرض حصارا ساعد حماس على السيطرة على ما بقي من الاقتصاد داخل قطاع غزة. وقد خفف الحصار حاليا.

وكما يوحي ذلك، تغير إسرائيل - مثل النعامة - النهج عندما يرفع أصدقاؤها المهمين أصواتهم. لقد حان الوقت لكي تقوم المؤسسة اليهودية الأميركية بالتفكير في الأمر من جديد - والتفكير بصراحة - أو مواجهة المخاطر بخسارة كثير من اليهود الشباب الذين يواجهون مشكلات بسبب نهج إسرائيل.

وآمل أن يقرأ كل عضو في البرلمان مقال بينارت. لقد اتصلتُ بمكتب عضو الكونغرس بول تونكو، الذي يمثل منطقة تروي، لأسأله عن دوغان. وقال بيو دوفي، وهو متحدث رسمي، إنه لا تعليق لتونكو. ومن المفاجئ أنه لم يكن لدى أي شخص داخل الكونغرس ما يقوله بشأن موت هذا الأميركي. واتصلت بوزارة الخارجية، وقال مسؤول إن السفير الأميركي لدى تركيا عرض المساعدة على عائلة دوغان. (ونفى أيضا تقارير عن أن الولايات المتحدة تخطط لتصنيف «مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية» مؤسسة إرهابية).

إن إجراء إضافيا، بما في ذلك تحقيق محتمل يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي في موت دوغان، سيعتمد على نتائج تحقيق يترأسه قاض متقاعد في المحكمة العليا الإسرائيلية ويشمل مراقبين اثنين أجانب. ويمكن لعائلة دوغان أن تطلب من مكتب التحقيقات الفيدرالي القيام بشيء.

ولكن يبدو أنه ليس لديهم أوهام. وقال الأستاذ أحمد دوغان، الذي يدرّس في جامعة كايسيري، لمارك تشامبيون من «وول تسريت جورنال» (الذي كتب أفضل مقال عن دوغان) إن لديه تساؤلات بشأن طبيعة رد الفعل الأميركي لو كان ابنه مسيحيا يعيش داخل الولايات المتحدة. وبعد أن عاش داخل أميركا قال: «أعرف ما يقوم به الناس عندما تعلق قطة على شجرة هناك». ولكن، يكون الوضع مختلفا عندما يحاصر رجل مسلم أميركي بسيل من النيران الإسرائيلية.

* خدمة «نيويورك تايمز»