تهديد من شرق أفريقيا

TT

تحمل الهجمات الإرهابية الأخيرة داخل العاصمة الأوغندية كمبالا وجلسة الاستماع التي عقدت يوم الاثنين لأميركي متهم بمحاولة الانضمام إلى الجهاد داخل الصومال إشارات مثيرة للقلق تدل على أن شبكة إرهابية دولية جديدة بدأت تتشكل داخل شرق أفريقيا، وهي شبكة يمكن أن توجه أنظارها إلى الولايات المتحدة. وتعد هذه أخبارا سيئة. والأسوأ هو أن الرئيس أوباما أمر بقتل الرجل الذي ربما كان سيساعدنا على تقويض هذه الشبكة وتدميرها.

لقد تبنت حركة الشباب المسؤولية عن التفجيرات التي وقعت داخل كمبالا. وقد صنفت وزارة الخارجية الأميركية الحركة في مارس (آذار) 2008 كتنظيم إرهابي، وأشارت إلى أن حركة الشباب تتضمن «أفرادا تابعين لتنظيم القاعدة» وذكرت جهودها من أجل «تقويض الحكومة الصومالية» و«زعزعة الاستقرار داخل منطقة القرن الأفريقي». ولكن الحقائق المرتبطة بحركة الشباب أسوأ بدرجة كبيرة. وفي صيف 2008، اندمجت الحركة مع تنظيم «القاعدة». وفي العام الماضي، أصدرت حركة الشباب مقطع فيديو يضم مقاتلين يهتفون «نحنا هنا يا أسامة.. نحن جنودك يا أسامة»، وتعهد زعيم الحركة أبو الزبير لابن لادن قائلا: «إن شاء الله، سوف تنطلق كتائب الجهاد العالمي من (الصومال) لتحرم الكفار النوم وتدمر مصالحهم في مختلف أنحاء العالم».

ومن خلال تفجيرات أوغندا، يبدو أن الحركة قامت بشيء جيد في ما يتعلق بهذا التعهد، ونفذت أول هجوم واسع لها خارج الصومال. والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى أين يمكنهم توجيه نظرهم أيضا؟ ثمة مفتاح للتعرف على ذلك، حيث تقوم حركة الشباب بصورة نشطة بتجنيد أميركيين. ويوم الاثنين، سيظهر رجل من شمال فيرجينيا يبلغ من العمر 20 عاما يدعى زاكاري آدم تشيسر أمام محكمة فيدرالية بتهمة محاولة السفر إلى الصومال للانضمام إلى حركة الشباب كمقاتل أجنبي. وقبل رحيله المخطط له، كان تشيسر على اتصال مباشر مع أنور العولقي، وهو رجل دين داخل اليمن يزعم أنه ساعد على توجيه الرجل الذي يقف وراء محاولة التفجير في أعياد الكريسماس. وكان العولقي أيضا على اتصال بالشخص الذي أطلق النار داخل «فورت هوود».

ولا يعد تشيسر أول أميركي يحاول الانضمام إلى حركة الشباب. وفي يونيو (حزيران)، ألقي القبض على رجلين من نيوجيرسي بالصورة نفسها داخل مطار جون كينيدي الدولي في نيويورك لتخطيطهما للقتال مع حركة إرهابية. ويزعم أن نحو 20 أميركيا صوماليا في مرحة الشباب غادروا مينيسوتا خلال الأعوام القليلة الماضية للانضمام إلى الحركة. ولا تكتفي الحركة بتجنيد مقاتلين أميركيين، بل إن أحد زعماء الحركة مواطن أميركي، وهو عمر حمامي الذي نشأ داخل ألاباما وبرر هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 وأكد على بيعة حركته لأسامة بن لادن.

ويمثل سعي كيان جديد داخل شرق أفريقيا تابع لتنظيم القاعدة وراء تجنيد أميركيين نذير شؤم. وعلى أية حال، لا تحتاج إلى مقاتلين يحملون جواز سفر أميركيا إذا كنت تريد فقط تنفيذ عمليات داخل أفريقيا. نحن نهمل هذه الإنذارات على الرغم مما في ذلك من مخاطر. لقد عجزت الولايات المتحدة عن توقع الهجوم خلال أعياد الكريسماس لأنه، مثلما ذكر تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ في مايو (أيار) 2010: «كان المحللون الاستخباراتيون يركزون في الأساس على تهديدات (تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة) داخل اليمن بدلا من احتمالية طرح التنظيم تهديدات داخل الأراضي الأميركية». وعلينا ألا نكرر هذا الخطأ مع «تنظيم القاعدة في شرق أفريقيا».

والوسيلة الوحيدة للكشف عن نوايا الإرهابيين وإمكانياتهم ستكون من خلال أسر واستجواب قياداتهم البارزة. وكان أمام إدارة أوباما فرصة للقيام بذلك في سبتمبر (أيلول) الماضي عندما قامت الولايات المتحدة بتعقب صالح علي نبهان، وهو قائد «تنظيم القاعدة في شرق أفريقيا» وقائد بارز في حركة الشباب كان مسؤولا عن دمج الكيانين. وأوردت صحيفة «واشنطن بوست» أن أوباما جاءته ثلاثة خيارات للتعامل مع نبهان: يمكن أن تقتله قوات عمليات خاصة أميركية من خلال هجوم جوي أثناء قيادته سيارة عبر جنوب الصومال. أو كان في إمكانهم قتله من خلال إطلاق النيران من مروحيات وبعد ذلك الهبوط للتأكد من قتله. أو كان يمكنهم السعي إلى الحصول عليه حيا.

على الأقل، كان البعض داخل الجيش يريد الحصول عليه حيا. فقد قال ضابط بارز في الجيش: «كنا نريد أن نحصل عليه سجينا». ولكن فضلت إدارة أوباما الخيار الثاني وقتل نبهان باستخدام مروحية وأخذ رجال كوماندوز تابعين للعمليات الخاصة جثته. ونتيجة لذلك، أوردت صحيفة «واشنطن بوست» أن «فرصة استجواب أحد أبرز الأهداف الإرهابية المطلوبة ضاعت للأبد».

لربما كان نبهان وفّر على الولايات المتحدة معلومات استخباراتية لا تقدر بثمن؛ معلومات غير متاحة في أي مكان عن شبكته الإرهابية والمجندين الأميركيين ومخططات الشبكة لتنفيذ هجمات جديدة. ولكن بفضل قرار لأوباما، تبخرت جميع المعلومات الاستخباراتية. لماذا اختار الرئيس قتل نبهان بدلا من أسره؟ قال مسؤولون أميركيون لصحيفة «واشنطن بوست» إن ذلك يرجع جزئيا إلى «ذكرى آخر مرة هبطت فيها مروحية مقاتلة أميركية داخل أرض الصومال التي يغيب عنها حكم القانون حينما هبطت المروحية (بلاك هوك) عام 1993 وأدى ذلك إلى مقتل 18 جنديا».

ومنذ مقتل نبهان، نفذت «كتيبة صالح علي نبهان» التابعة لحركة الشباب (أطلق عليها اسم القائد المقتول) هجماتها داخل كمبالا التي أدت إلى مقتل 74 على الأقل، ومن بينهم عامل إغاثة أميركي، بالإضافة إلى إصابة فتاة من ماريلاند عمرها 16 عاما بجروح خطيرة. وربما يكون الهجوم المقبل أكثر دموية، وقد يكون أقرب من أرض الوطن.

* زميل زائر لدى معهد «أميركان إنتربريز» يكتب مقالا أسبوعيا بصحيفة «واشنطن بوست»

** خدمة «واشنطن بوست»