أرجوكم المعذرة

TT

مشكلتي المزمنة، أنني أريد أن أحمل دائما وأبدا بطيختين في يد واحدة، أريد أن أسيطر على الليل بكامله، إلى أن تتلاشى من كبد السماء آخر نجمة، وفي الوقت نفسه أريد أن أعاشر النهار من مشرق الشمس حتى مغربها.

وبمعنى آخر، فإما أن أكون (كعفريت الصفرة) المشدود دائما، أو أكون كعمر الخيام (ادربي رأسي) التعبان، وأصدح مع أم كلثوم: فما أطال النوم عمرا / ولا قصر في الأعمار طول السهر.

ويبدو لي أن هذه المشكلة لم ولن أجد لها حلا إلا في الدار الآخرة - بعد عمر طويل - قولوا: آمين.

وسبق لوالدي رحمه الله - وهو شاعر شعبي - أن قال:

هنيكم يا أهل القلوب المدالية

يا نايمين ليلها مع ضحاها

هنيكم ما حدن شكا حر كاوية

ما ذقتوا الفرقا وكايد عناها

صدقوني، إنني من عشاق النهار كأي عصفور، ومن المتيمين بالليل، كأي وطواط، ولا أدري ماذا أفعل وكيف أوزع ذاتي؟!، فإذا ما سرحت ورمحت بالنهار أنهد حيلي، ونمت رغم أنفي وانطرحت على فراشي مثلما ينطرح التمساح، أو نمت واقفا بكل غباء، مثلما ينام الحصان - يعني (ماكو فكة) - مثلما قال المطرب محمد عبده.

أما إذا قررت أن أسهر بالليل - فالله لا يوريكم -، عندها أصبح كاللوذعي المقروص الذي لا يستقر على حال، تحف بي من دون مبالغة أبالسة من شياطين الإنس والجن، كلهم وعن بكرة أبيهم يريدون أن يقودوني طائعا إلى التهلكة، ورغم أنني أعرف ذلك فما زلت أقول لهم: هل من مزيد؟!

وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل قطعا على أن (السبايك) عندي مضروبة على الآخر، وأن الخلل مؤكد، وأن الحجر على علي منهم من أمثالي وعلى شاكلتي واجب ومطلوب، ومن يقوم به من أصحاب الخير وما أكثرهم، إنما هو مأجور وله ثواب عظيم.

أقول قولي هذا، ولا أخشى في الحق لومة لائم.

أليسوا علمونا وضربونا على أيادينا منذ الصغر أن نتبع ونردد الحكمة الخالدة: «قل الحق حتى ولو على نفسك»؟!

ها أنذا إذن قلت الحق على نفسي وعلى غيري بكل شجاعة ومن دون أي مواربة - هل أنا غلطان يا ناس؟!

إنني أحب النهار حبا جما، مثلما أحب المال، وأحب الليل حبا أجم من الجما، مثلما أحب الجمال، كلها بالنسبة لي (عينين في رأس)، - وهي جملة سمعتها لأول مرة من أحد أقراني من أولاد الحارة - وبالمناسبة فهذه الجملة كادت في يوم من الأيام أن تودي بحياتي إلى ما لا تحمد عقباه، وذلك عندما قلت بكل سذاجة لرجل من أصحاب الشأن: إنني وإياك مثل عينين في رأس، فانتفض الرجل، وكاد يضع إصبعه في عيني قائلا: مين أنت حتى تضع رأسك برأسي؟! فقلت له أنا أتراجع: آسف بس أنا سمعتهم يقولون ذلك، فقال: لا بارك الله فيك ولا في من أسمعوك ذلك.

أعود لما بدأت به عن مشكلتي المزمنة التي لا أدري لماذا أنا أقحمتكم فيها، وهذا هو ما يؤاخذني عليه البعض، ناصحين أو منتقدين عندما يحذرونني من إقحام مواضيعي أو أزماتي الشخصية في كتاباتي، لأنها لا تهم القراء في كثير أو قليل، ولا أنسى أن أحدهم قال لي متهكما: إن جرحا في رأسك يا مشعل هو بالنسبة لي مثل: (شطب بجدار)، ومعه الحق في ذلك، والحق مع الجميع لو أنني كدرت عليهم اليوم في شأن سخيف من شؤوني - بس أنا حبيت (أفضفض) لا أكثر ولا أقل -، فأرجو المعذرة، أرجوكم المعذرة، وحقكم عليا.

[email protected]