أزمة السيد بان

TT

المبنى التاريخي الأزرق مغلق للترميم. والأمم المتحدة كلها الآن في مرأب جانبي. لا جولات يقوم بها الزوار يوميا. ولا أضواء ولا ألق. ويزيد ذلك في ذبول المنظمة المتزايد مع أمينها العام بان كي مون، الذي أمضى أربعة أعوام من ولايته المنتهية السنة المقبلة، من دون أي أثر. كانت ولايتا الأفريقي كوفي عنان قد انتهتا بفضيحة «النفط من أجل الغذاء»، مما أفقد المنظمة شيئا من رصيدها الدولي. وعندما جاء دور آسيا في الأمانة العامة أيدت أميركا والصين، الكوري الجنوبي بان كي مون. لكن الرجل يفتقر، بدرجة واضحة، إلى ما يفترض لمثل هذا المنصب. شخصية مؤدبة ولكن باهتة، وضعف في اللغة الإنجليزية.

فجرت استقالة الأمينة العامة المساعدة، السويدية أينغا بريت أهنليوس، قضية راكدة: شخصية الأمين العام، والملل الذي يحيط بمؤسسة قائمة على الحيوية والحضور، وقائمة بصورة خاصة على شخصية الأمين العام. والأمين الثامن (منذ 1945)، لم يعرف كيف يثير من حوله الاهتمام. ربما كان بطرس غالي آخر من أتقن صناعة الأمانة العامة وإثارة اهتمام الأضواء. لكن الثمن الذي دفعه جعل الذين بعده يتريثون في كل شيء إذا ما أرادوا ولاية ثانية في المنصب. وبينما سار كوفي عنان «على بيض» في قضايا العالم، قرر بان كي مون أن لا يسير أبدا. ويتناسب ذلك مع طبعه الآسيوي الشديد الهدوء.

تلقى بان دروسا في «المخاطبة» بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع. لكن ذلك لم يغير شيئا من مظاهر الفتور، التي لم يألفها الإعلام الغربي. ورافقه سوء حظ ملازم، فلم يرتبط اسمه بحل أي قضية. وليس من شأن الأمناء العامين حل القضايا الدولية، لكنهم كانوا يتظاهرون على الأقل بأنهم حاضرون لدى حلها. وبعد انتخابه قام السنيور دوكويار بجولة على كل القضايا المعلقة، من فلسطين إلى قبرص. وتحدث بتفاؤل عن الحلول. وبعد ربع قرن لا تزال قبرص بعيدة بقدر فلسطين، ولكن دوكويار أقنع العالم آنذاك بأنه حاول على الأقل. وكان بطرس غالي أكثر حضورا وأكثر «كاريزما». وحاز إعجاب العالم، إلا من المستر مادلين أولبرايت وبعض الزملاء في مصر. هي لم ترد له أن يحل أي شيء، وهم أرادوا أن يحل القضية الفلسطينية والأفغانية صباح اليوم التالي وإلا كان خائنا. والمؤسف أن أولبرايت حاولت أن تعامله كموظف مؤقت في الخارجية الأميركية، والزملاء المصريون حاولوا معاملته مثل «كمساري» في باص كوبري النيل.

الأرجح أن بان كي مون سوف يطلب ولاية ثانية وسوف ينالها. فبينما ينتقد الغربيون فتوره، يمتدح الآسيويون هدوءه ودبلوماسيته البعيدة عن الأضواء والحكمة «الكونفوشية» في سلوكه. إنها مسألة صدام حضاري.