أصوات الحرب متعددة.. والأهداف مختلفة!

TT

أسأل الدبلوماسي الغربي المطلع جدا: هل ستقع الحرب؟ ومتى وأي دول ستشمل؟ يجيب باستفسار: من أين تصدر الأصوات المتصاعدة التي تبشر بأن الحرب مقبلة؟ من اللبنانيين، ومن حزب الله بالذات، ومن سورية وربما من إيران رغم أنها بدأت تشعر فعلا بسياط الحصار. ويضيف: هذه الأطراف يهمها ألا نتكلم عما يحدث داخل لبنان أو سورية أو إيران.

يعدد المصدر عدة أسباب لهذه التحولات المتأججة، فهناك هدف سوري يتعلق بداخل لبنان وبطرف محدد فيه، تريد دمشق تحجيمه. المحكمة الدولية سيكون لها تداعيات في لبنان وسورية، ثم هناك قوات اليونيفيل وتوسيع مجال عملها بالدخول إلى القرى والساحات والتفتيش عن الأسلحة بناء على ما تتلقاه من معلومات.

ولاحظ اللبنانيون، أن اليونيفيل عندما تفتش عن السلاح تكتشف أن حزب الله جيش ضخم، في حين أن الدولة اللبنانية غير قادرة الآن على إرسال العدد المطلوب حسب القرار 1701 من فرق الجيش اللبناني.

من المؤكد، أن مقاتلي حزب الله صاروا أكثر تسليحا وأكثر تدريبا، وهذا ما تتطلبه الأسلحة الجديدة التي وصلت في السنوات الأربع الأخيرة.

يقول محدثي: لكن رغم تكديس السلاح، هناك ردع لـحزب الله، فالحزب لا يفعل أي شيء يستفز عسكريا الأطراف المعنية.

لم يقم بردة فعل حتى الآن على مقتل عماد مغنية منذ سنتين ونصف السنة (هل يمكن تصور أن حزب الله، حزب المقاومة، لم يفعل أي شيء انتقاما لقائده العسكري؟). ويضيف: هذا لا يعني أنه لا يستطيع. هو يستطيع، لكنه قلق مما ستكون ردة فعل الجهة المقابلة. هذا هو الردع.

لكن الردع الذي يوقف الفعل وردة الفعل، لم يوقف تكديس السلاح الذي يأتي عبر سورية من إيران المتحالفتين استراتيجيا. السلاح يأتي برا وبحرا وجوا إلى سورية، إذا ذهبنا إلى الحدود الإيرانية - التركية نلاحظ تدفق السلاح منها إلى سورية. ثم هناك الزوارق ومطار دمشق الدولي. سورية تدعم بشكل علني حزب الله، لكن العالم لا يعرف لماذا يحتاج حزب لبناني إلى كل هذه الأسلحة.

بعض المتشددين اللبنانيين يعتقدون بأن هدف حزب الله السيطرة على كل لبنان! يستبعد المصدر الغربي ذلك، لأن الحزب عندها يكون مضطرا للجوء إلى العنف، كما فعلت حماس في غزة، ثم إن هذا ليس ما دأب على المناداة به منذ نحو ثلاثين عاما. لكنه يلاحظ، أن الحزب ينجح في التحرك من داخل النظام اللبناني من أجل تغييره لمصلحته، وهذا ما يزرع الخوف في القلوب.

ويضيف محدثي: أيضا هناك ما يردع حزب الله من السيطرة على كل لبنان. فالحزب غير متأكد ماذا ستفعل إسرائيل إذا هو سيطر على كل لبنان. لا يعرف أيضا ماذا ستكون ردة فعل الدول المشاركة في اليونيفيل مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، والدول التي استثمرت في لبنان، لأن هذه الدول، عكس الاعتقاد الذي يحاولون نشره، في حال لجوء حزب الله إلى العنف فلن تدير ظهرها وتنسحب.

ثم كيف سيحكم حزب الله؟ هل سيفرض ولاية الفقيه على كل الأقليات التي يتشكل منها لبنان؟

حتى لو قيل إنه يمثل الطائفة الأكثر عددا، لنفترض أنه يشكل 50% من الشعب، هذا يعني أن هناك 50% مختلفون. كيف سيسير لبنان المتعدد المذاهب من موارنة، وأرثوذكس وسنة ودروز وأقليات أخرى؟!

إذن، لماذا كل هذه الأسلحة؟ يقول الدبلوماسي الغربي: إيران في مواجهة إسرائيل. لا أعتقد أن الأسلحة جزء من المسألة اللبنانية، إنها مسألة إيران، وسورية وحزب الله، وأضعها في خانة أن على حزب الله أن يقرر لنفسه: إما أنه حزب شيعي في لبنان ويريد أكثر من حصته، وإما أنه الغطاء الأساسي لثورة شيعية وغطاء لإيران. هذا يصل بنا إلى السؤال التالي: كيف تدخل سورية في هذه المعادلة.. لأن الرئيس السوري بشار الأسد يتطلع نحو إسرائيل ويتطلع نحو المنطقة؟

يختلف حزب الله عن كل الأحزاب في الشرق الأوسط. كان للبنان دائما الحصة الكبيرة من تدخل الآخرين فيه، مر اللبنانيون بحروب كثيرة خاضها الآخرون على أرضه أو من أرضه. في السابق لم يكن هناك أي استثناء بين الأحزاب، الآن صار حزب الله الحزب المختلف وله ارتدادات على المنطقة، وأغلب زعماء المنطقة يتخوفون مما تقوم به إيران مع حزب الله في لبنان.

وأسأل محدثي: هل الرئيس السوري بين هؤلاء الزعماء؟ يجيب: لا نستطيع أن نقرأ بشار الأسد وماذا يريد. هل يريد هضبة الجولان؟ لا نفهم سياسته الخارجية. والده حافظ الأسد دخل في التسعينات في مفاوضات مع إسرائيل ولم ينجح في الوصول إلى التسوية النهائية. لكن منذ تسلم بشار الحكم، يمكن القول، إننا لا نعرف ماذا نتوقع منه.

عندما وصل إلى الحكم، دخل في علاقة قوية مع حزب الله ثم مع إيران. ورث العلاقة الإيرانية من والده الذي بنى استراتيجيته على السياسة الإقليمية. حافظ الأسد مارس السياسة الإقليمية، وكانت حول لبنان وليس حول حزب الله.

العلاقة مع حزب الله انعكست تشنجات على لبنان، وانفتاحا مدروسا ومحدودا في سورية. ويضيف: الكل في الخارج متفق على أنه باستطاعة بشار الأسد فعل شيء مختلف.. إذا أراد قد يصل بالمنطقة إلى السلام، أو قد يصل بها إلى الحرب. وبالنسبة إلى إسرائيل، فإنها ترى في نظام بشار الأسد نظاما يمكن التعاطي معه واستيعابه أكثر من أي تغيير نحو المجهول.

إن بعض القضايا التي تقلق العواصم العالمية هي أن توازن القوى في بعض الدول العربية سيؤثر على المنطقة كلها. هناك دول مقبلة على مراحل انتقالية.

يقول الدبلوماسي الغربي: إننا ننظر حولنا ونتساءل: ما الأفضل، نظام مستقر نعرفه مع كل مشكلاته.. أم المجهول؟ مصير مصر مقلق، سورية تبعث على القلق باحتمالاتها، إنما هناك من يحكم والمطلوب من الأطراف المعنية أن تأخذ قراراتها بالنسبة إلى سورية حول الأعمال المحتمل أن يقدم عليها النظام.

ربما تريد السلام؟! يجيب: طرحت إسرائيل السلام مع سورية عبر الأتراك، فماذا كانت النتيجة؟ نلاحظ الآن أن تركيا تطالب بمحاكمة إسرائيل دوليا والرئيس السوري يقول إنه لا يرغب إلا في تركيا وسيط سلام بينه وبين إسرائيل.

هذا لا يعني أن على سورية أن تبحث عن وسيط آخر، ذلك أن حكومة بنيامين نتنياهو ليست على استعداد للانسحاب.

ما بين المسارين السوري والفلسطيني، تشعر حكومة نتنياهو بأن المسار الفلسطيني أسهل عليها، ذلك لأن السوريين مرتبطون بإيران، ولإيران حسابات أخرى.

على كل، الأهمية الاستراتيجية للجولان، سقطت مع عالم الصواريخ الجديد، والعمق الاستراتيجي والقول إن إسرائيل تقف على هضبة الجولان صارا شيئا آخر عما كانا عليه عام 1967.

ويبقى السؤال الأساسي: هل تقع الحرب لسبب ما للأهداف المختلفة لكل الأطراف التي تنقذها الحرب من مشكلاتها الداخلية؟ وإذا وقعت هل سيدفع الثمن لبنان وحده؟ الثمن هذه المرة سيكون باهظا، حتى الانتصار سيكون هزيمة، لأن لبنان لن يحترق وحده، بل ستحترق في أتونه كل أوراق اللعبة الإقليمية. وهنا تكمن الأزمة التي يتخبط فيها حزب الله حاليا!