نعم.. نحن نحتاج التسريبات!

TT

سنبقى نتابع ونحلل طويلا مضمون الوثائق السرية المسربة من ملفات وزارة الدفاع الأميركية عبر موقع «Wikileaks» الإلكتروني والمتخصص في تسريب وثائق ومعلومات سرية.

ما ذكرته التسعون ألف وثيقة عن تفاصيل الحرب في أفغانستان يفضح أسرارا حول مدى تعثر الحرب الدائرة هناك، ويفضح حجم الخسائر المدنية بين الأفغان، وتفاصيل سرية كثيرة لعل من أبرزها التثبت من دعم باكستان وإيران لمقاتلي حركة طالبان.

التقرير يخبرنا ببساطة ما كنا لا نعرفه خلال السنوات التسع الأخيرة، أو ربما ما تجاهلنا معرفته.

انشغلت الصحافة العالمية بهذا التسريب الأخطر، وربما الذي يرسم صورة مرعبة عن الحرب الفاشلة في أفغانستان منذ عام 2004 وحتى عام 2010.

واليوم، تتخبط الإدارة الأميركية ومعها الباكستانية والبريطانية والألمانية وحكومات أخرى جراء ما كشف عن جرائم حرب ارتكبت بحق مدنيين أفغان بقيت سرية ولم تجر تحقيقات بشأنها.

هناك وثائق إضافية عن حرب أفغانستان أعلن موقع «Wikileaks» أنه لم ينشرها بعد.

لكن سواء أكان نقص بعض المعلومات مقصودا أم بسبب الإهمال، يبقى أن ما قرأه العالم يثبت حقيقة واحدة؛ هي الفشل الذريع في تفادي وحساب الأذى والخسارة الواقعة بحق المدنيين والعائلات التي نكبت بتلك الخسائر، والتي غالبا ما كان يذهب أفراد منها إلى مقر القوات الدولية في أفغانستان ليعودوا خائبين يتخبطون بإجابات غامضة. بعد نشر المعلومات السرية، ازدادت الشكوك في فاعلية الاستراتيجية الأميركية بأفغانستان، وظهرت فجوات كبيرة في التحالف الأميركي الباكستاني.

بموازاة الانعكاسات السياسية لواقعة تسريب المعلومات الاستخباراتية، لا شك أن نشر هذا الموقع لهذه المعلومات الخطيرة هو فتح جديد للإعلام الحديث، وهو يطرح بعدا جديدا حول قدرة مواقع من نوع «Wikileaks» على تغيير الطريقة التي تعمل بها الحكومات حول العالم ومدى القدرة على إجبارها لأن تكون أكثر مسؤولية وشفافية تجاه شعوبها.

اليوم.. بإمكان أي صحافي أو باحث أو ناشط يملك وثائق أو معلومات سرية تحميل هذه المعلومات وعرضها على الرأي العام بعد أن يتحقق الموقع من صدقية المعلومات ومصادرها، ويمكن لمصدر المعلومات أن يبقى سريا. وكما أن هناك مهللين لكشف وثائق سرية تدين حكومات وإدارات وتجبرها على مراجعة سياساتها وتساعد مستقبلا على مزيد من الشفافية في أداء الحكومات، فإن حذرا يخالط البعض إزاء ماذا ينشر وماذا يحجب في هذا الموقع، خصوصا أن الموقع نفسه نشر قبل مدة رسائل شخصية للسياسية الأميركية سارة بالين، وهو ما اعتبر نشرا بهدف الإثارة. الجدل سيبقى، لكن الأهم أن واقعة من نوع نشر التسريبات الأخيرة سيكون لها أثر عالمي في رفع مستوى الوعي المدني والأخلاقي، وسيمكننا من مراقبة أداء حكومات وأنظمة بعضها ديمقراطي لكنه تورط في حجب المعلومات، وبعضها الآخر غير ديمقراطي لكنه متخف خلف ادعاءات أسقطت الوثائق المكشوفة بعضها، كما هو الحال مع طهران وإسلام آباد في علاقتهما بطالبان.

diana@ asharqalawsat.com