هل يعيب القيادي عدم معرفته التفاصيل؟

TT

عندما أخفق الرئيس الأميركي جورج بوش (الابن) في الإجابة عن سؤال سياسي مباغت طرحه عليه أحد الإعلاميين، كاختبار مفاجئ أو ((Pop Quiz، ثارت ثائرة وسائل الإعلام، لأن الرئيس المنتخب – آنذاك - لم يستطع تسمية زعماء الهند وباكستان والشيشان، ونجح في معرفة الاسم الأول لزعيم تايوان1، وذلك بالرغم من أهمية الحراك السياسي الدائر في تلك المناطق بالنسبة للإدارة الأميركية. وقال بعض المحللين عقب المقابلة التلفزيونية إن «ثقافة الرئيس بوش السياسية لا تؤهله لحكم بلاده»، وتندر عليه آخرون، ولكنه نجح - على ما يبدو - في إقناع الناخبين بأهليته لترؤس بلاده لدورتين متتاليتين، لمدة 8 سنوات، ولم يعيبه عدم معرفة أسماء بعض الشخصيات السياسية. ويعود السبب إلى أن بلاده قائمة على فكرة العمل المؤسسي، التي يؤدي كل فرد فيها دوره على نحو يكمل الآخر، ولا يحتاج كبار المسؤولين أن يعرفوا كل التفاصيل الدقيقة، حتى يتبوأوا مناصب عليا، كما يتوهم البعض.

معرفة التفاصيل الهامشية ليست من صفات القياديين، وإلا أصبح هذا القيادي (Micromanager) وهو مصطلح سلبي في الإدارة يطلق على المسؤول المولع بحب التفاصيل، الأمر الذي قد يصرفه، في كثير من الأحيان، عن صلب عمله الإشرافي. إن وقت القائد ثمين، لأنه يتقاضى أجرا أعلى من غيره، وإذا انشغل بالتفاصيل عن الصورة الكلية، كالتخطيط الاستراتيجي، والمتابعة والإشراف، فإنه سيهدر وقته في أمور هامشية. فتخيل لو أن قائد الطائرة يترك مقصورة القيادة - بين حين وآخر - للتأكد من عدد الوجبات التي تناولها الركاب وقائمة أسمائهم، أو يتأكد من ربطهم لحزام الأمان، لابد أنه سينشغل عن عمله الأساسي، وهو قيادة الطائرة بأمان، والتدخل عند حدوث مشكلة بين الركاب. والأمر نفسه ينطبق على رئيس الوزراء مثلا، الذي لا يتوقع منه كقيادي أن يتفقد تفاصيل المدارس والمستشفيات ومراكز الشرطة ودور العبادة، وإلا ضاعت دفة القيادة في كثير من دول العالم. ولا حتى ناظر المدرسة أو عميد الكلية، ليس مطلوبا منهما معرفة أسماء كل الطلبة ودرجاتهم، لأن هذه المهام موكلة إلى آخرين يوافونه بالتقارير اللازمة والمختصرة وقت الحاجة.

لكن القيادي يلجأ إلى التفاصيل حينما تقع مشكلة ما في العمل. فلو أن أحدا اختلس مبلغا من المال، يفترض من القياديين تشكيل لجنة تحقيق فورية، أو تحويل الأمر إلى النيابة العامة، وذلك كله لمعرفة «التفاصيل» التي توصله إلى الحقيقة. والأمر نفسه يحدث عندما يرتكب الموظفون خطأ جسيما ألحق أضرارا بسمعة المؤسسة أو الإدارة. ومعرفة دقائق الأمور، هنا تساعد على توجيه أصابع الاتهام إلى المقصرين في أدائهم ومن ثم محاسبتهم، فيكونون عبرة لغيرهم.

أحيانا يضطر القيادي إلى أن يسأل عن التفاصيل، وربما بصورة مملة، عندما يعين مسؤولا كبيرا، أو مساعدا له، خاصة عندما يكون حديث عهد به، وذلك حتى يطمئن إلى أنه الأخير يؤدي مهامه بصورة سليمة. ومع مرور الوقت وتحقيق المسؤولين النتائج يتولد لدى القيادي الثقة بهؤلاء المسؤولين فتقل أسئلته التفصيلية.

ومن المساوئ التي يواجهها بعض القياديين الغارقين في التفاصيل، إصابتهم بداء الكمالية أو (Perfectionism)، رغم إيمانهم بأن الكمال لله وحده! فتجدهم يبالغون في مراجعة العمل مرات كثيرة، ويطلبون طلبات لا تعد ولا تحصى، ومن دون مبرر في معظم الأحيان، بل ويغضبون إذا لم ينفذ العاملون تعليماتهم الحرفية، فيؤجلون اتخاذ القرارات حتى «تطير الطيور بأرزاقها» كما يقول المثل الشعبي.

إن عدم انشغال القيادي بالتفاصيل لا يعني تهاونه في محاسبة المقصرين الذين لا يعيرون لهذه الدقائق اهتماما يذكر. وبطبيعة الحال، كلما نزلنا بالسلم الوظيفي في المنظمة زادت حاجة الموظفين إلى الاهتمام بالتفاصيل، وإلا كانت نتيجة العمل سلبية جدا على الموظف ومؤسسته. كما ينبغي أن يؤدي الموظفون دورهم على أكمل وجه، حتى لا يضيع القياديون أوقاتهم في التفاصيل.

وتبقى مسألة إصرار بعض القياديين على تتبع التفاصيل الهامشية في مؤسساتهم، مضيعة لوقتهم وجهدهم، وربما هيبتهم، كما إن هذا السلوك المزعج قد يكون مصدرا لمعاناة باقي الموظفين طوال العام!