إلى كاتب الافتتاحيات

TT

يوجه إلينا كاتب الافتتاحيات في «النيويورك تايمز» من فوق، من أعالي الكابيتول و«الإمباير ستايت» نصيحة من ذهب وفضة وماس: الآن، وقد شارف الأميركيون على الانسحاب آخر يوم من شهر أغسطس (آب)، «حان الوقت للعراقيين أن يتحملوا المزيد من المسؤولية في أمنهم وفي إدارة بلدهم». المؤسف، شديد الأسف والأسوف، أن كاتب (أو كتاب) المقال الافتتاحي في «النيويورك تايمز» لا يوقع اسمه وإلا لرفعت له تحية خاصة وتقديرا خاصا. ومع ذلك فلتكن تحية إلى مجهول عبقري فذ حقق ثاني أهم اكتشاف في تاريخ البشرية بعد البنسلين: حان الوقت لأن يتحمل العراقيون مسؤولياتهم!

شكرا، باسم معظم أهل العراق، خصوصا من بقي منهم على قيد الحياة، وشكرا باسم عموم العرب، خصوصا ممن لا يزال منهم يقرأ هذا النوع من السفه المكتوب من أعالي الكونغرس وسطوح الإمباير ستايت وبقية المرتفعات التي تفقد الإنسان العلاقة بعقله والعلاقة بالإنسان والعلاقة بالبشر.

لماذا لم تكتب هذا الكلام للعراقيين قبل أن يرسل جورج بوش حارقاته إلى العراق؟ وإذا كنت تعرف معنى المسؤولية، لماذا لم تكن افتتاحيتك ذلك النهار عن اختلاق تهمة سلاح الدمار الشامل، ولو كان العراق يملك حقا سلاح دمار شامل، فبأي حق تخرج أميركا بأسرابها وأساطيلها لتدميره واحتلاله؟ وبأي حق بقيت؟ وبأي قانون أرسلت بول بحذائه الرياضي يحل الجيش العراقي ووزارة الخارجية العراقية ووزارة التربية ووزارة الداخلية ويترك لحرامية الأرض أن ينظفوا متاحف بغداد من ثرواتها التاريخية؟

ماذا بقي من مسؤوليات للعراقيين بعدما تعرضت للنهب؟ أي مسؤوليات بقيت للعراقيين بعد نشر ديمقراطية بوش التي ترفض القبول بنتائج الانتخابات العامة؟ أي مسؤوليات بعدما أصبح العراق حقل ألغام، ما لا ينفجر هنا اليوم ينفجر هناك غدا؟ ماذا تعني كلمة مسؤولية وكلمة إدارة في عراق اليوم؟

أيها الكاتب من أعالي «النيويورك تايمز». إذا كنت قرأت الدستور الأميركي وشرعة حقوق الإنسان فاكتب مطالبا بمحاكمة مجرمي الحرب في العراق. اكتب عن مسؤولية السفاكين الذين لطخوا سمعة أميركا. اكتب عن مسؤولية الذين حلوا الجيش العراقي. اكتب عن المحاكمات المضحكة بقدر ما هي أبشع من ظلام العتم. لديك كثير ما تكتبه.