يوم الثورة ويوم النهضة

TT

أقامت وزارة الإعلام العمانية احتفالا عبر سفارة السلطنة ومكتبها الصحافي في لندن في ذكرى يوم النهضة المصادف 23 يوليو (تموز). في الكثير من الدول العربية تحتفل الدولة بيوم الثورة، وأعتقد أنه قد آن الأوان لأكثرها أن تغير العنوان إلى يوم الورطة. ولكن في سلطنة عمان تجرى الاحتفالات باسم يوم النهضة، يوم بدء المسيرة الجديدة نحو النمو والتطور السلمي للبلاد. كثيرا ما أثار إعجابي هذا التطور المرحلي نحو الرخاء الاقتصادي المصحوب بالسعي الحثيث نحو الحكم الديمقراطي. مشاركة في رفاه البلاد ومشاركة في إدارة البلاد.

لمست جزءا صغيرا من هذا التطور في هذا الحفل الهادئ الذي أقامته السفارة العمانية عند مشاهدتي الفرقة الموسيقية التي عزفت لنا عينات أحسنوا اختيارها من شتى ضروب الموسيقى العربية الكلاسيكية والشعبية والفلكلورية، تضمنت حتى مقطوعات من ناظم الغزالي، رحمه الله. خمسة من أعضاء الفرقة السلطانية الأولى للموسيقى والفنون الشعبية، جيء بهم، أو بالأحرى بهن خصيصا من مسقط إلى لندن لإحياء هذه الحفلة. فقد كانت المجموعة تشمل أربع فتيات عازفات، طاهرة جمال البلوشي على الكمان، وفرح جمال البلوشي على القانون، ورحمة مسلم الشبلي على العود، ومطلوبة درويش الميمني على الناي. يصاحبهن عازف الإيقاع طلال ناصر السيابي. كانت مجموعة ظريفة، لا تمثل فقط الجمال العماني الرشيق بثيابهن وزينتهن التقليدية الباهرة، وإنما تعطينا أيضا إشارة بليغة عن تحرر المرأة العمانية ودأبها على اقتحام كل ميادين الحضارة ورموز المدنية القديمة والحديثة. حقا لقد رأينا الكثير من نسائنا يعزفن على العود والكمان والناي، ولكنني لأول مرة شهدت فتاة تعزف على أوتار القانون، هذه الآلة الدقيقة الرجالية. وبعين الوقت - أخشى أن أقول - تمثل التراث وتقاليد المجتمع العربي. الرجل في آخر المطاف هو ضابط الإيقاع، والمرأة تعزف على ضربات إيقاعه! في المطبخ كما في المسرح!

كانت لفتة بليغة وموفقة حقا من وزارة الإعلام العمانية في اختيار هذه النخبة من مجموع المائتين أو أكثر من عازفي وعازفات الفرقة السلطانية الأولى التي طالما استمتعت بعزفها على قناة التلفزيون العماني في أواخر الليل.

سرعان ما استأثرت الفرقة باهتمام ضيوف الحفلة من العرب والأجانب، فجاءوا بكراسيهم واصطفوا أمامها، تركوا وراءهم المأكولات العربية اللذيذة والحلوى المسقطية الشهيرة، اكتفوا بما رأوه على الشاشة من مناظر عمان الخلابة وأفلاجها العجيبة، وجلسوا يستمعون لموسيقاها ويصفقون لها بحماس. وفيما كنت أفعل ذلك، استطعت أن أخترق اندماجي بها وأنطلق بالتفكير. أربع نساء عازفات وعازف رجل واحد. أخرجت دفتري وقلمي وانهمكت في الحساب. يعني ذلك أن ثمانين في المائة من الفرقة إناث. وعشرين في المائة فقط ذكور. لكن إلى متى يبقى الرجل يحتكر الإيقاع، ويستأثر بالضرب على الطبل؟ أفتوني يرحمكم الله.