تصعيد حسن نصر الله.. «يكاد المريب أن يقول خذوني»!!

TT

بانتظار الخطاب الذي وعد الشيخ حسن نصر الله بأنه سيلقيه يوم الثلاثاء في الثالث من أغسطس (آب) المقبل، بدل يوم الجمعة الثلاثين من يوليو (تموز)، والذي من المنتظر أن يكرسه لمسألة الاتهام الظني الذي وجهه المدعي العام الدولي لبعض أعضاء حزبه فإن استمرار المواجهات الكلامية الداخلية يشير إلى أن لبنان يندفع تحت ضغط هذه المستجدات نحو استحقاق خطير والحكمة القديمة تقول: «والحرب أولها كلام».

لم يصدر عن المحكمة الدولية، المكلفة بكشف النقاب عن قتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الشهيد رفيق الحريري ومعاقبتهم، أي شيء رسمي، ومع ذلك فإن السيد حسن نصر الله مستمر في التعامل مع التسريبات الصحافية التي أشارت إلى اتهام بعض أعضاء حزب الله بالمشاركة في ارتكاب هذه الجرائم وجرائم الاغتيال الأخرى، التي سبقتها والتي تبعتها، على أنها حقيقة وعلى أنها مؤامرة دولية تستهدف «المقاومة» التي هي حزبه، وهو يواصل وصف القرار الظني الصادر عن المدعي العام الدولي، وفقا لهذه التسريبات، بأنه موجود بالفعل، وأن دوافعه سياسية، وأن التوظيف السياسي هو الذي أدى إلى فتح هذا الملف في هذه الفترة بالذات.

واللافت أن الأمين العام لحزب الله يواصل الإصرار على أن هناك قرارا ظنيا ضد أعضاء في حزبه بالفعل. ولذلك فإنه وعلى هذا الأساس لم يخفف من حملته التصعيدية رغم أن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي قال «سيد المقاومة» إنه هو الذي أبلغه بهذا القرار الظني، قد أكد أكثر من مرة أنه لم يتلق أي شيء رسمي بهذا الخصوص لا من المحكمة الدولية ولا من غيرها. وأيضا رغم أن باريس قد دعت اللبنانيين، على لسان مَن وصف بأنه «مصدر فرنسي رفيع المستوى»، إلى الهدوء وعدم استباق نتائج التحقيق الدولي مؤكدة أنه لا معلومات لديها حول تحقيقات المحكمة الدولية في هذه المسألة.

وقال هذا المصدر، الذي وصف بأنه رفيع المستوى: «ليس لدينا أي معلومة تؤدي بنا إلى التشكيك في جدية أعمال المحكمة الدولية وأستغرب التشكيك في هذه المحكمة قبل أن تعلن نتائج عملها مما سيؤدي إلى نتائج معاكسة». وقد جدد التأكيد على أن «المهم بالنسبة لفرنسا هو ألا تكون هناك جرائم في المستقبل مثل هذه الجريمة».. فإظهار الحقيقة هو الطريق الأفضل لردع من لديه الميل للجوء إلى العنف والإجرام وهذه المحكمة هي لوضع حد «للإفلات من العقاب».

والواضح، وفقا لهذه المستجدات، أن أحداث بدايات هذا الشهر يوليو والشهر الذي سبقه، أي يونيو (حزيران)، لم تكن مجرد «هبّة» عفوية قام بها أهالي الجنوب اللبناني ضد قوات الـ«يونيفيل» الدولية والقوات الفرنسية تحديدا، وأنه كان وراء الأكمة ما وراءها منذ ذلك الحين وأن الدافع هو الضغط على الفرنسيين الذين يتميز موقفهم من المحكمة الدولية بكل هذه الجدية وبكل هذا الإصرار على ضرورة مواصلة عملها حتى النهاية. وهنا فإن ما أصبح شبه مؤكد هو أن السيد حسن نصر الله كان قد علم بأمر قرار الاتهام الظني الذي يقال إن المدعي العام الدولي قد أصدره ضد أعضاء في حزبه، حزب الله، منذ ذلك الحين فلجأ إلى هذا التصعيد الآنف الذكر الذي استهدف الفرنسيين في القوات الدولية دون غيرهم.

ولعل ما يعزز هذا الاعتقاد، الذي يصل حدود اليقين، هو أن المصدر الفرنسي نفسه، الذي وصف بأنه رفيع المستوى، قد قال في تصريحه الآنف الذكر مشيرا إلى حزب الله دون أن يسميه: ليس لدى باريس أي معلومات «حول نتائج تحقيقات المحكمة الدولية»؟! ولكن التوتر السائد حاليا حول الموضوع قد يكون ناتجا عن أن لدى البعض معلومات لا يملكها غيره.. إن كل التوتر السائد والقلق ربما يكونان ناتجين عن تقدم أعمال هذه المحكمة.

فهل يا ترى كان السيد حسن نصر الله قد حصل على معلومات مؤكدة حول نتائج تحقيقات المحكمة الدولية تضمنت اتهامات رسمية لبعض عناصر حزبه بالتورط في جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري، هذا مع الإشارة إلى أنه قد قال في التصريحات التي كان أدلى بها يوم الخميس الماضي: نعم كل المعطيات التي لدى حزب الله تقول: إن هناك قرارا ظنيا ولكن تم تأجيل الإعلان عنه لأسباب سياسية.. إن هذا القرار موجود وإن كل المشاورات التي تجري والتي أجراها الرئيس السابق المدعي العام للجنة التحقيق الدولية بلمار في واشنطن ومع أعضاء من مجلس الأمن من فرنسيين وغيرهم لها علاقة بالتوقيت السياسي لإطلاق هذا الاتهام...؟!

في كل الأحوال وبغض النظر عن كل هذا فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار ونحن بصدد الحديث عن كل هذه التطورات التي وضعت لبنان على حافة انفجار جديد ربما يتجاوز بخطورته كل الانفجارات السابقة هو لو أن السيد حسن نصر الله «ليس خائفا وليس قلقا»، كما قال في خطابه يوم الخميس الماضي. فلما لجأ إلى كل هذا التهديد والوعيد الذي لجأ إليه واستهدف فيه، وإن بصورة مواربة، حتى سعد الحريري وبصورة مباشرة تيار المستقبل ومجموعة «14 آذار» ومعظم الأطراف المسيحية المارونية.

لقد كان المفترض أن يتحلى قائد كبير على هذا المستوى برباطة الجأش وأن يسيطر على أعصابه وألا ينتفض كمن لدغته عقرب لدى سماع أن هناك قرارا ظنيا على الطريق يستهدف بعض عناصر حزبه ويأخذ بكيل الاتهامات المشفوعة بالتهديد والوعيد جزافا وإلقائها في كان الاتجاهات، خاصة أنه لم يصدر أي شيء عن المحكمة الدولية وأن كل ما قيل حتى الآن هو مجرد تسريبات صحافية ومجرد تخمينات لا هي مباشرة ولا هي رسمية.

ما كان على السيد حسن نصر الله أن يندفع إلى كل هذا التصعيد وأن يأخذ بنثر جمر الفتنة في كل الاتجاهات ويبادر إلى نكء جرح لبنان، الذي لم يندمل بعد أصلا، لمجرد أنه تناهت إليه هذه التسريبات الصحافية وهذه المعلومات المنسوبة إلى المدعي العام الدولي التي لم تصدر عن المحكمة الدولية بصورة رسمية بعد، ثم كان على «سيد المقاومة»، بما أنه يتوقف عن مواصلة اتهام إسرائيل بارتكاب جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري، أن يضع في اعتباره أنه من غير المستبعد أن يكون «جهاز الموساد» الإسرائيلي قد تمكن من تجنيد هؤلاء الذين أشار إليهم القرار الظني من حزب الله ودفعهم لارتكاب هذه الجريمة ما دام أنه ثبت أن هذا الجهاز قد حقق اختراقات في هذا الحزب حتى على مستوى المواقع القيادية. ويبقى في النهاية أنه لا بد من الإشارة إلى أن رد فعل أمين عام حزب الله على هذه الاتهامات، التي لم تصدر بصورة رسمية بعد، قد ذكرت حتى بعض مؤازريه ومناصريه بذلك المثل العربي القديم القائل: «يكاد المريب أن يقول خذوني»!!