الفوز ثم التفاوض.. أفضل السبل للتعاون مع طالبان

TT

لم تكشف الوثائق التي نشرها موقع «ويكيليكس» - التي تبرز الفساد الأفغاني والازدواجية الباكستانية - سوى القليل مما قد يعتبر جديدا. لكنها في الوقت ذاته ستزيد من حالة الإحباط الشعبي لدى الأميركيين.

وهناك إجماع متنام بين أقطاب السياسة الخارجية، وحلفائنا في الناتو والناشطين ضد الحرب بأن الوقت قد حان لوقف التعامل مع طالبان، ودافعوا عن وجهة نظرهم بأن الحكومة الأفغانية ميئوس منها، والانتخابات الأخيرة افتقرت إلى المصداقية، كما فشلت جهود بناء الدولة، وأن الأمل الوحيد يكمن في مواصلة إعادة دمج مقاتلي طالبان من الرتب الدنيا والمتوسطة في الحركة إلى المجتمع الأفغاني والمصالحة مع قادة طالبان المقيمين في باكستان. وعندما ينهي هؤلاء القادة علاقتهم بـ«القاعدة» - الخط الأحمر الذي لا يمكن التفاوض بشأنه - يمكن لطالبان العودة إلى السلطة الفعلية في الجنوب الأفغاني في نظام لا مركزي إلى حد كبير.

يستعد بعض الأفغان لهذا الاحتمال - خاصة أولئك الذين يجدون أنفسهم على الجانب الخطأ من الخط الأحمر. ويقول مدير أحد الملاجئ الأفغانية الخاصة بالسيدات: «تعيش النساء في رغب بالغ خشية توقيع اتفاق سلام مع طالبان، بسبب ما يمكن أن يعنيه ذلك بالنسبة لحقوقهن». وفي المناطق التي تسيطر عليها طالبان يتم إغلاق المدارس وتمنع النساء من العمل خارج المنزل وتتعرض السياسيات والناشطات إلى الاعتداء والقتل. فتقول ناشطة في مجال المرأة لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» إن مقاتلي طالبان تركوا لها رسالة في الليل قالوا فيها: «إننا ننذرك بالتوقف عن العمل كمعلمة في أسرع وقت وإلا قطعنا رؤوس تلاميذك وأشعلنا النار في ابنتك».

هذا النقاش هو نزاع ليس على وجهتي نظر سياسيتين، بل على عالمين مختلفين. ومؤخرا حضرت اجتماعا لدبلوماسيين، وخبراء السياسة الخارجية وصحافيين لقيت فيه التسوية السياسية مع طالبان تأييدا واسع النطاق، مع اعترافهم بإمكانية وقوع بعض التجاوزات. لكن أفغانستان تحولت إلى مصدر إلهاء بالغ التكلفة عن القضايا الرئيسية مثل إيران وكوريا الشمالية، ومن ثم السبيل الأفضل لخفض الإنفاق هو الخروج من أفغانستان. كان اتفاق المشاركين الذين التفوا حول الطاولة المصقولة وارتدوا أفخر الثياب الغربية يلقي بمزيد من ملايين الفقراء والضعفاء من النساء إلى الخوف والعبودية.

ويرد أنصار التسوية مع طالبان بأنهم يواجهون الحقيقة - بأن حماية حقوق المرأة الأفغانية أمر مرغوب، لكنه ببساطة غير ممكن. وهم في حقيقة الأمر لا يعرفون أي شيء عن هذا القبيل. فأولئك الذين يتوقعون الهزيمة في أفغانستان تتقاطع أفكارهم بشكل كبير مع من توقعوا الهزيمة في العراق، فأحكامهم العسكرية تستحق بعض التشكيك خاصة في الوقت الذي تسعى فيه القيادة الأميركية إلى انتهاج استراتيجية جديدة في أفغانستان يعتقدون أنها قد تنجح. ومن ثم يجب علينا أن نكون متشككين إزاء واقعية تصل إلى درجة الانهزامية.

التوقعات بإقامة محادثات جدية مع طالبان لا تبدو واقعية إلى حد بعيد. فإذا أصرت الولايات المتحدة على حماية حقوق النساء والأقليات العرقية والمجتمع المدني كشروط مسبقة لمحادثات اقتسام السلطة مع طالبان، سيكون كافيا لوقف المفاوضات. فكما هو معروف، فإن طالبان لديها الأسباب للاعتقاد بأنها انتصرت بتحملها. واللهفة على التوصل إلى اتفاق سريع سيعزز من هذا الاعتقاد. ومن ثم فإن الجلوس إلى طاولة المفاوضات في الوقت الحالي، لن يعطي طالبان دافعا كبيرا لتقديم تنازلات حول السمات الجوهرية لآيديولوجيتها.

إذا لم يصر التحالف على حماية حقوق الإنسان كشرط مسبق للتفاوض، ستكون المفاوضات أكثر سهولة. فمن السهل دائما إنهاء النزاع عبر الاستسلام للعدو. والمصالحة مع طالبان من موقف الضعف - منح طالبان السيطرة على مناطق في البلاد - أشبه ما يكون بالاستسلام. ولا يمكن لأي ضمانات ورقية إخفاء الحقيقة بأن الولايات المتحدة، تحت الضغط العسكري من الراديكاليين الإسلاميين، خانت الملايين من الرجال والنساء الأفغان إلى الاستبداد الشامل.

وعندما سئل ليون بانيتا الشهر الماضي عن إمكانية عقد تسوية مع طالبان قال: «لم نر أدلة على أنهم مهتمون حقا بالمصالحة، التي يتخلون فيها عن أسلحتهم وشراكتهم مع (القاعدة) وأن يصبحوا جزءا من المجتمع الأفغاني. ولم نر أدلة على ذلك، وبصراحة شديدة، أرى بشأن المصالحة، أنهم ما لم يكونوا مقتنعين بأن الولايات المتحدة ستنتصر وأنهم سيهزمون أعتقد أنه سيكون من العسير تحقيق تقدم ملموس على صعيد المصالحة».

وبما يكون هذا هو البديل الواقعي: الفوز أولا ثم التفاوض.

* خدمة «واشنطن بوست»