«ويكيليكس» تكشف ما هو واضح في أفغانستان

TT

لم تحمل المعلومات التي نشرها موقع «ويكيليكس» التي تسربت لإصدار أميركي وآخرين أوروبيين أنباء جديدة على الإطلاق، فقد كنا نعلم بالفعل أن الحرب في أفغانستان لا تسير على ما يرام. وكنا نعلم بالفعل - أو حسبما أشارت صحيفة «نيويورك تايمز»: «كانت تساورنا شكوك قوية» حول - أن وكالة الاستخبارات الباكستانية تساعد طالبان (وأمثالها). كما كنا نعلم بالفعل أنه ينبغي إصلاح الجيش والشرطة الأفغانية لتمكينهما من التصدي لطالبان، وهي مهمة تعد أشبه بالمستحيل. وبذلك يتضح أن مثل هذه التسريبات لم تحمل نبأ جديدا.

ومن المؤكد أن هذه التسريبات جرت مقارنتها بـ«تقارير البنتاغون» التي حصلت عليها «نيويورك تايمز» وبعدها بوقت قصير «واشنطن بوست» عام 1971. لكن تاريخ حرب فيتنام السري الذي كشفته تلك التقارير كان سرا حقا. ولم تحمل تلك التقارير وصف «سرية» فحسب، وإنما كشفت بالفعل عن معلومات جرى حجبها عن الشعب الأميركي، بينها الحقيقة المفزعة حول أن إدارة ليندون جونسون كانت تعمد إلى تصعيد الصراع في وقت تتعهد علانية بـ«عدم السعي لخوض حرب أوسع». الملاحظ أن خليفة جونسون، ريتشارد نيكسون، سار على النهج ذاته تقريبا، حيث عمد إلى توسيع دائرة الحرب في محاولة لإخضاع فيتنام الشمالية وإنهاء الحرب، لكنه لم يفلح سوى في توسيع دائرة الحرب لتمتد إلى شوارع واشنطن.

الملاحظ أنه ليس في التسريبات الأخيرة ما يشبه هذا النمط من الكشف عن وجود ازدواجية. يبدو واضحا من الوثائق أن طالبان استغلت صواريخ سطح - جو، مثلما فعل «المجاهدون» في مواجهة السوفيات. وبينما لم نكن على معرفة سابقة بهذا الأمر، من الواضح أن الصواريخ لم تؤثر بعد فعليا على مسار الحرب. لكن تبقى الحقيقة أن هذه المعلومات وغيرها الكثير تأتي من تقارير غير مؤكدة من أرض المعركة، وقد يتضح ذات يوم أنها من نتاج آلة التعتيم والتضليل المشهورة التي دائما ما تصاحب الحروب والمعارك. من جانبها، حذرت «غارديان»، واحدة من الصحف المفضلة لدى «ويكيليكس»، والتي تعارض الحرب منذ أمد بعيد، من أن «بعض التقارير الاستخباراتية المثيرة تحيط الشكوك بمصدرها».

ولا شك أن هذه التسريبات كانت ستحتل أهمية كبرى لو أنها دعمت أي مشاعر تفاؤل في نفوسنا. وكان من شأن ذلك القضاء على فكرة باتت راسخة في أذهاننا جميعا، وهي أن الحرب في أفغانستان من المتعذر النصر فيها تبعا للمفهوم الراهن لمصطلح «نصر»، هزيمة طالبان والقضاء على «القاعدة» والحفاظ على حكومة مركزية عاملة يديرها شخص مثل صديقنا وحليفنا المقرب حميد كرزاي. لكن هذا لن يتحقق.

في مقال نشرته «نيوزويك» في 26 يوليو (تموز)، أوضح ريتشارد إن. هاس، مسؤول وزارة الخارجية السابق خلال إدارتي بوش ويتقلد حاليا منصب رئيس مجلس العلاقات الخارجية، الكثير من البدائل المحتملة، بينها ما يعد بمثابة تنازل عن جزء كبير من أفغانستان لطالبان.

المثير أن هذا المقال، الذي كتب قبل التسريبات الأخيرة التي وردت في «ويكيليكس»، يذكر العلاقات بين طالبان وباكستان، الأمر الذي يعد القضية الكبرى المثيرة للقلق في المنطقة، بالنظر إلى اهتمام باكستان الشديد بالهند (وهو اهتمام متبادل). المعروف أن كلتا الدولتين تملك أسلحة نووية وتكن العداء للأخرى.

بجانب تسريبات «ويكيليكس»، جاءت أكثر الأنباء أهمية بخصوص أفغانستان في الصحف الصادرة الاثنين، حيث أشارت إلى مزاعم بأن سجناء في أحد السجون الواقعة شمال المكسيك يقوم مسؤولون بإمدادهم بأسلحة وإطلاقهم ليلا لارتكاب جرائم قتل. وأوكد من جديد أن ذلك يجري في المكسيك، وهي دولة غربية تقع على مقربة منا. ومع ذلك نجابه صعوبة في تفهم مثل هذا القدر الهائل من الفساد، أو اتخاذ أي إجراء ضده. ومع ذلك نجد أنفسنا على الجانب الآخر من العالم داخل دولة شرقية ذات طابع قبلي وتعاني فقرا مدقعا، نحاول تحويل قوة الشرطة بها إلى قوة فاعلة رائعة باستخدام القوة العسكرية.

تقول الوثائق التي عرضها «ويكيليكس» - بناء على أدلة شفهية لكنها مقنعة - إن هذا لا يتحقق على أرض الواقع. ومرة أخرى نجد أن هذا أمر كنا نعلمه بالفعل، بناء على أدلة شفهية لكنها مقنعة أيضا.

الآن من المتوقع أن تشرع إدارة أوباما في اقتفاء أثر المسؤول عن تسريب هذه المعلومات والتنديد بالمعلومات المسربة، بناء على حجة أن أي حكومة بحاجة إلى الاحتفاظ ببعض الأسرار، وأن هذا أمر ضروري كي تتمكن من حمايتنا. لكن بعدما يهدأ غضبها قليلا، قد تشعر بالامتنان لتسريب هذه المعلومات لأنها صنعت معروفا لها، ألا وهو الحديث علانية عن المسكوت عنه، وذلك ليس على لسان وسائل الإعلام وإنما عن جنود مقاتلين. قطعا من شأن ذلك تيسير عملية اتخاذ القرار الحتمي، حيث سيعمل باراك أوباما، الرجل الذي لا يتخذ قراراته بناء على اعتبارات عاطفية، إلى إنهاء الحرب في أفغانستان، ليس فقط لرغبته في ذلك، وإنما لأن هذا هو ما يتعين عليه فعله. وهذا الأمر، مثلما الحال مع تسريبات «ويكيليكس»، ليس بنبأ جديد على الإطلاق.

* خدمة «واشنطن بوست»