أبعد من الإدانة

TT

لبنان مضطرب، وهناك حراك غير مطمئن بين صفوف ساسته وآلتهم الإعلامية لتأجيج الرأي العام ونشر نغمة الرعب والقلق بين صفوف أبناء شعبه (وما الجديد في ذلك الأمر؟). هذه المرة الوضع مرتبط بالتقرير الظني المنتظر الإعلان عن مضامينه من مسؤولي المحكمة الدولية المعنية بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، والذي يتجه لتوجيه الاتهام لأعضاء في حزب الله اللبناني.

ويروج أنصار الحزب في لبنان أن هذه مقدمة فتنة كبرى بين الشيعة والسنة، وأنها بداية حرب أهلية لم تر البلاد مثلها من قبل، وآخرون يعتقدون أنها الشرارة التي ستطلق حربا إقليمية فتاكة تدخل فيها إسرائيل وإيران بقوة وعنف.

قرار الإدانة لو جاء لن يكون مفاجئا، فمنذ أن سربت مجلة «دير شبيغل» الألمانية العريقة تقريرها الشهير منذ فترة ليست بالقليلة، وأشارت فيه إلى وجود أدلة قوية «جدا» تدين حزب الله بالمشاركة الفعلية في عملية الاغتيال المريعة، وهناك حالة من الترقب للإدانة الرسمية، لكن لا يمكن إغفال أن حالة القلق التي تصيب حزب الله تتخطى مسألة الإدانة المنتظرة هذه، لكنها تتعلق بهوية دوره المستقبلي في لبنان من خلال مشروعه السياسي الأكبر الذي يصطدم بهوية لبنان السياسي نفسه وطبيعة تكوينه.

فحزب الله وباعتراف قادته ينتمي فكريا وعقائديا وسياسيا وأمنيا لمنظومة ولاية الفقيه الإيرانية، وهذا تلقائيا يضعه في مأزق ازدواجية الولاء وتضارب المصالح فيما يتعلق بالدستور اللبناني واتفاق الطائف، ومعروف أن حزب الله سبق أن أعلن على لسان بعض قادته أن لديه مشروع «الجمهورية الإسلامية» في لبنان، وهو مشروع مذهبي لا تقبل به شريحة ليست بالقليلة من اللبنانيين، وبالتالي سيكون سيناريو تصادميا مستقبليا، خصوصا في ظل توجيه اهتمام في حزب الله للأجندة الداخلية بشكل مكثف على حساب مسألة المقاومة التي بنى عليها الحزب شرعيته وكانت دوما السبب في وجوده على الساحة السياسية، وكونت جدارته وشعبيته على مر الزمان.

إقليميا، هناك اعتقاد لدى بعض الأطراف بأن «حجم» حزب الله كبر زيادة عن قدرة لبنان على استيعابه، وبات بحاجة لوضع إطار لذلك التمدد حتى لا يتحول إلى فلتان كامل خارج عن القدرة على السيطرة عليه وترويضه.

عربيا، هناك حراك سياسي عالي المستوى الغاية منه لجم أي تهور وردود فعل انفعالية لاستغلال روح القلق المنتشرة وبالتالي تحقيق «مآرب معينة» نتاج ذلك تؤدي إلى تدهور الأوضاع وتفاقمها وإعادة الأمور إلى الوراء.

والقلق بحق حزب الله لا يمكن فصله عن الاضطراب الأعم الذي تسببه سياسات إيران الأعم في المنطقة، التي قد تستخدم ورقة حزب الله في صفقة أكبر وأشمل لتضحي به لصالح مكاسب تعنيها هي بالذات.

قد يكون ضحية هذا الحراك حزب الله بهويته المعروفة اليوم وبعض القيادات النافذة فيه لمصلحة وجوه أخرى برزت مؤخرا على الساحة وباتت ذات دور فعال ومؤثر في صناعة توجهات السياسة الحزبية على الساحة العامة في لبنان، ولعل من أبرز هذه الوجوه نعيم قاسم، الذي بات يطمح في دور أهم وأكبر في قيادة الحزب كما هو واضح للكثيرين.

المتابع لما يصدر من مصادر الإعلام اللبناني بشتى مشاربه يجده يدق طبول الحرب ويثير الفزع وسط الناس (وهو قد يكون موجها من قياداته الطائفية والسياسية لعمل ذلك) اعتقادا بأن الوضع اليوم مهيأ لإحداث تغيير سياسي طال انتظاره يغير من الوضع المضطرب في البلاد.

ما يحدث في لبنان اليوم يتخطى وبكثير مسألة إدانة لأطراف عن جريمة اغتيال الحريري، لكنه يتعلق بوضع سياسي غير سوي لا بد من إصلاحه.

[email protected]