روسيا وإيران.. وضياع الحلم

TT

حتى أشهر قليلة كان الإعلام الرسمي في طهران يبني الكثير من الآمال الكاذبة على محور جديد يواجه النفوذ العالمي لأميركا (الشيطان الأكبر)، يضم فنزويلا وروسيا والصين والجمهورية الإسلامية.

وبما لها من خبرة في تحدي الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، كان من المفترض أن تلعب روسيا دورا محوريا في هذا المحور المتخيل. ولكن، يبدو أن روسيا تخرج الآن من هذا المحور لتنضم إلى «نادي أعداء إيران»، وذلك حسبما أشار تعليق نشرته وكالة الإنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) في 12 يوليو (تموز) الحالي.

وقد وصف التعليق الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف بأنه «دمية» أميركية، ونصحه بالاستماع إلى «المشورة الحكيمة من رجال الدولة الأكبر سنا في روسيا»، ربما في إشارة إلى رئيس الوزراء فلاديمير بوتين.

وكان السبب الأول لغضب طهران هو قرار روسيا التصويت لصالح فرض عقوبات جديدة من قبل الأمم المتحدة على النظام الخميني الذي تزامن مع تأكيدات من الرئيس ميدفيديف بأن طهران تسعى لبناء ترسانة نووية وأن روسيا لن تسمح لها بذلك.

لقد كان اللعب بالورقة الروسية جزءا رئيسيا من استراتيجية الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد منذ بداية ولايته في عام 2005.

وكان أحمدي نجاد حريصا كل الحرص على جذب موسكو بإعلانه إحياء معاهدتين وقعتهما روسيا وإيران عامي 1921 و1941. وهذه المعاهدات تعطي موسكو الحق الحصري في الاحتفاظ بقوة بحرية في بحر قزوين والسماح لقواتها باستخدام الأراضي الإيرانية إذا تعرضت للتهديد. وهذه المعاهدات كانت محل انتقاد الحكومات المتعاقبة في عهد الشاه. ولكن أعلن إلغاءهما الرسمي إبراهيم يزدي، الذي خدم لفترة وجيزة في منصب وزير الخارجية في عهد الخميني عام 1979.

ومما لا شك فيه فقد تمادى أحمدي نجاد، بموافقة المرشد الأعلى على خامنئي، بعيدا في محاولاته للفوز بالدعم الروسي. فقد قطع الطريق على المقاتلين الشيشانين والداغستانيين الذين كانوا يتدربون في أفغانستان وباكستان ويمرون عبر إيران قبل أن يتوجهوا إلى مناطق الحرب في القوقاز. وفي عام 2006، قامت إيران بإغلاق مكتب مجاهدي القوقاز وقامت بتسليم 30 من الشيشان والأنغوش إلى روسيا وذلك وفق اتفاق منسوخ وقع عام 1969. وينظر في طهران إلى تحرك النظام الخميني ضد المجاهدين الروس باعتباره أحد أهم أسباب نجاح موسكو في سحق التمرد الشيشاني، على الأقل مؤقتا.

وبالتالي لم يكن من المستغرب أن يتضمن تعليق وكالة الأنباء الإيرانية تهديدا مبطنا لروسيا بأن طهران قد تعيد النظر في هذه السياسة. وذكرت الرئيس الروسي ميدفيديف بأنه إذا ضعفت إيران، وهو ما قد يحدث بسبب العقوبات «فإن الوضع الحالي في الشيشان وأنغوشيا لن يظل كما هو».

لقد كانت سياسة روسيا تجاه إيران نموذجا للازدواجية، فبينما هي سعيدة برؤية الجمهورية الإسلامية شوكة في حلق الأميركيين، فإنها حريصة على عدم السماح للنظام الخميني بالتضخم بصورة مفرطة. فقد دعت روسيا إيران لحضور اجتماعات مجموعة شنغهاي التي تضم إلى جانب روسيا الصين وجمهوريات آسيا الوسطى، كتعبير عن شكرها لأحمدي نجاد على سياسته ضد الشيشانيين.

لكن عندما طالب أحمدي نجاد بقبول إيران كعضو كامل العضوية في المجموعة، أصرت روسيا على أن الجمهورية الإسلامية يجب أن تظل عضوا مراقبا فقط.

وهناك عدد من المؤشرات الأخرى على أن موسكو لم تعد على ثقة من استقرار الأوضاع في الجمهورية الإسلامية في ظل سياسات أحمدي نجاد الداخلية والخارجية.

أولا، تسعى موسكو لوضع اللمسات الأخيرة على معاهدة تقسيم بحر قزوين بين الدول الخمس المطلة عليه: كازاخستان وروسيا وأذربيجان وإيران وتركمانستان.

ووفقا للمخطط الروسي، الذي كشف عنه النقاب العام الماضي، فإن إيران، التي تملك أطول شريط ساحلي على البحر ستحصل في نهاية المطاف على 11.5% من النفط والموارد المعدنية والسمكية في بحر قزوين. وتعارض إيران هذه الخطة وتصر على أن يجري تقسيم موارد بحر قزوين بالتساوي بين الدول الخمس المطلة عليه. وبموجب هذه الصيغة، فإن إيران ستحصل على 20% من الموارد البحرية.

كما تعطي الصيغة الإيرانية الدول المطلة على البحر حق النقض (الفيتو) على التعاقد مع شركات من غير البلدان المطلة على البحر.

وبهذه الصيغة، فإن طهران تكون قادرة على استبعاد الشركات الأوروبية والأميركية التي تتمتع حاليا بنصيب الأسد في معظم العقود، وخاصة تلك المتعلقة بتطوير موارد النفط والغاز. وحتى عندما يتعلق الأمر بكافيار بحر قزوين، فقد اتخذت موسكو موقفا متشددا تجاه طهران.

اعترضت موسكو على حصة إيران في العام الماضي التي سمحت لإيران باصطياد 1000 طن من أسماك الحفش (التي يستخرج منها الكافيار) مرتفعة السعر. ونتيجة لذلك لم يتم تصدير أي كمية من كافيار بحر قزوين في عام 2009.

وهذا العام، اضطرت طهران إلى قبول حصة 800 طن. وحصلت موسكو على 2400 طن، متضمنة حصة كازاخستان التي تقوم بإدارتها شركات روسية. كما أعلنت روسيا أنها لن تسلم أنظمة صواريخ S300 المضادة للطائرات التي دفعت الجمهورية الإسلامية ثمنها في عام 2007، وهي الأنظمة التي كانت ستزيد بشكل كبير من دفاعات إيران ضد أي هجمات جوية محتملة من إسرائيل أو الولايات المتحدة.

كما أن مفاعل بوشهر للطاقة النووية، الأول من نوعه في إيران، يمثل قطعة أخرى من هذه الأحجية.

فقد كان من المفترض أن يقوم الروس بتشغيله في مارس (آذار) عام 2005.

لكن، الآن يعدون بالبدء في «الاختبارات النهائية» قبل نهاية عام 2010. الكثيرون في طهران ومن بينهم غلام رضا أغا زاده، المدير السابق لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية، يعتقدون أن روسيا لن تقوم بذلك.

وفى التاريخ الإيراني، كانت روسيا دائما واحدة من الأعداء التقليديين لإيران هي وبريطانيا، وهذا ما جعل خطوات أحمدي نجاد المتوددة لروسيا لا تحظى بأي قبول شعبي.

من ناحية أخرى، في الوقت الذي تخفض روسيا دعمها السياسي والدبلوماسي للجمهورية الإسلامية، فإنها حريصة على الحفاظ، إن لم يكن تعزيز، علاقتها الاقتصادية مع إيران. وتبلغ قيمة التجارة بين روسيا وإيران 3 مليارات دولار، وتحتل روسيا المرتبة العاشرة من بين الشركاء التجاريين لإيران.

وفي الأسبوع الماضي، عرضت شركة «لوكويل»، عملاق صناعة البترول المملوك للدولة الروسية، بيع البنزين لإيران في تحد للعقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وفي المقابل، تريد الشركة الحصول على عقد حصري لتطوير حقول النفط في المياه الإقليمية الإيرانية في بحر قزوين. وإذا أقدم أحمدي نجاد على منح شركة «لوكويل» مثل هذا العقد، فإن روسيا ستكون قد حققت جزءا من الحلم الذي كانت تحلم به منذ منتصف القرن التاسع عشر.

والتساؤل الآن: هل تسعى روسيا إلى استغلال الضعف والعزلة اللذين تمر بهما الجمهورية الإسلامية حاليا لتحقيق حلمها في الحصول على مركز مهيمن في إيران؟

لذلك، وبدلا من تكرار سياسة أحمدي نجاد الخارجية التي ترتكز على الشتائم والتهديدات، ينبغي على المعلقين في طهران أن يفكروا في هذه المسألة.