ضرورة الاعتماد على باكستان

TT

خلال السنوات التسع الماضية التي خاضت فيها الولايات المتحدة الحرب في أفغانستان، كان أي شخص حسن الانتباه يتابع الحرب لديه قلق متكرر: هل تستطيع أميركا الاعتماد على باكستان؟ هل يستطيع حلفاؤنا في هذه الدولة المضطربة إغلاق ملاذات طالبان على الحدود؟ وبالنسبة إلى هذه المسألة، هل يحاول الباكستانيون في الحقيقة القيام بذلك؟

أثار الكشف عن كم هائل من الوثائق المتعلقة بالحرب في أفغانستان الأسبوع الحالي من جانب «ويكيليكس» عددا من الأسئلة، لكن لا شيء أكثر أهمية من لغز باكستان. وعلى الرغم من أن إدارة أوباما قللت من أهمية الوثائق المسربة بصفة عامة، فإن مسؤولين بارزين يتفقون على أن قدرة باكستان على إغلاق الملاذات الآمنة قضية حاسمة تماما.

وقال الجنرال جيم جونز، مستشار الأمن القومي، في مقابلة أجريت معه يوم الثلاثاء الماضي في البيت الأبيض «تعد هذه الملاذات الآمنة علامة استفهام كبيرة من حيث معدل نجاحنا». وأشار إلى أن حركة طالبان والحركات التابعة لها استخدمت هذه الملاذات في أغراض التسلح والتدريب وتنظيم الصفوف وجمع المعلومات الاستخباراتية، مما أربك الاستراتيجية الأميركية.

ونفى المسؤولون الباكستانيون أن وكالاتهم الاستخباراتية تساعد طالبان، وأشاروا إلى الطبيعة غير المكتملة لمعلومات «ويكيليكس». بيد أنه لا تزال هناك حقيقة أن طالبان تواصل العمل بفاعلية من قواعد داخل باكستان، وفي الحقيقة تقوم بتصعيد هجماتها. وما لم يتغير ذلك، فمن المحتمل فشل الجهود الأميركية في أفغانستان. وأشاد جونز بالجيش الباكستاني لتصعيد عملياته في المنطقة الحدودية على مدار الـ18 شهرا الماضية، لكنه أكد «هناك أمور كثيرة ينبغي القيام بها، لكن ليس هناك الوقت الوفير».

واعتمد جونز على الرحلات التي قام بها إلى المنطقة على مدار العقد الماضي في تفسير السبب وراء كون باكستان «عاملا حاسما» في جهود الحرب. وأشار إلى أنه من عام 2003 حتى عام 2005، كان الحضور المنظم للعدو في أفغانستان منخفضا نسبيا، حيث كان هناك 100 من مقاتلي «القاعدة»، و3000 من مقاتلي طالبان هناك.

وقال جونز «لقد جاءت (فترة محورية) عام 2006، عندما قرر الجيش الباكستاني (ترتيب اتفاق) مع زعماء القبائل أتاح لأعضاء طالبان عبور الحدود بحرية من أفغانستان ما لم يقوموا بمهاجمة القوات الباكستانية». وقال جونز، الذي كان قائد قوات الناتو في هذه الآونة، إنه كان «مرتابا» بشأن هذه الهدنة، وحذر الباكستانيين من أنها لن تنجح أبدا.

وأتاح فتح هذا «الطريق السريع من أفغانستان إلى باكستان» لطالبان «زخما كبيرا» من عام 2007 حتى عام 2009، وبدأت الحركة في اكتساب اليد العليا، حسبما ذكر جونز. وهذا الزخم المتواصل هو ما حاولت إدارة أوباما التحقق منه عن طريق زيادة عدد القوات.

وكانت تسريبات «ويكيليكس» ضارة لأنها جاءت في وقت كان فيه مزاج واشنطن بشأن أفغانستان مظلما. بل وحتى المسؤولين من جناح الصقور أصبحوا قلقين بصورة متزايدة من أن النجاح قد لا يكون ممكنا في إطار زمني واقعي.

ويتحدث مسؤولون بالبيت الأبيض في هذه الأيام عن السعي إلى «نهاية مقبولة» في أفغانستان، بدلا من تحقيق النصر. ويعني ذلك عملية ترقيع من شأنها أن تجلب قدرا أكبر من الأمن من خلال جيش وشرطة وطنية أفغانية أكثر قوة، إلى جانب «الشرطة المحلية» المشكلة من القبائل. وسيكون المحرك الحاسم هو عملية سياسية للتوصل إلى مصالحة، تتوسط فيها باكستان بصورة جزئية.

ويتفق مسؤولون بالإدارة على الحاجة إلى مشاركة دبلوماسية مع العدو، لكنهم لا يرون أي دلائل على أن طالبان مستعدة للمشاركة، مع استثناء وحيد ممكن. وأشار جونز إلى أن عناصر من حركة طالبان قد تكون مستعدة للوفاء بشرط أميركي واحد لإجراء المباحثات، وهو التنصل من تنظيم القاعدة. وقال «لم تشترك طالبان بصفة عامة كجماعة في نشاط الجهاد العالمي، ولا يبدو أن لديها طموحات خارج منطقتها». وأنكر مسؤولون بارزون كشفا آخر ظاهريا لموقع «ويكيليكس»، وهو أن حركة طالبان كانت تستخدم أسلحة محمولة على الكتف لإسقاط الطائرات الأميركية. وقال أحدهم إنه لم ير أي تأكيدات يمكن التعويل عليها لهذه التقارير، لكنه أكد على أن مثل هذه الأسلحة ستكون بمثابة «تغير كبير في هندسة ساحة المعركة». وفيما يتعلق بالإشاعات الأخيرة التي تقول إن إيران قد تكون هي التي تشحن هذه الأسلحة، قال المسؤول إنه ليست لديه أي تأكيدات، لكن إذا دخلت مثل هذه الأسلحة التي تغير قواعد اللعبة في أفغانستان «فلن نكون مكتوفي الأيدي».

ومن الخطأ في العادة محاولة «وصف» صراع بعيد - نجاح أو إخفاق - على أساس معلومات غير مكتملة. لكن في الوقت الراهن، أي مراقب سيقول إن الوضع في أفغانستان يتجه نحو السوء، مما يعني أن استراتيجية مكافحة التمرد لم تحقق نجاحا، وأن صبر الشعب الأميركي بدأ ينفد.

ويعيدنا ذلك إلى إغلاق ملاذات طالبان في باكستان. إنه قدر من الصعوبة الاستراتيجية التي تواجه أميركا بأن هذا الخيار غير المؤكد مع شريك متردد قد يقدم الآن أفضل إمكانية للتوصل إلى «نهاية مقبولة».

* خدمة «واشنطن بوست»