لا يستطيع لبنان الموهون الخروج على أوصاله، فيأتي المعالجون إليه. كلما قيل إن مرض داء الجنب (ذات الرئة) صار يهدد جوهر ذاته، أطل ذوو النوايا الحسنة ملهوفين. فلبنان ليس مرضا، بل عدوى. ولا هو دولة، بل سياج عطوب على حافة الأمة. والأمة محاصرة بالزيت ومكتظة بأعواد الثقاب.
في الرؤية الإيجابية للمسألة، يبدو لبنان بلدا شديد الأهمية، قادرا على أن يكون موضوع الالتقاء بين قادة العرب. في الناحية الأخرى يبدو بلدا يعيش في سيارة إسعاف، والزعماء دائما في انتظاره على باب الطوارئ. فهو يرفض الانتقال إلى أجنحة العلاج.
ترك الملك عبد العزيز لأبنائه ولأبناء لبنان وصية واحدة: هذا شرفة العرب، فحافظوا عليها. وعمل ملوك الرياض بالوصية واحدا بعد الآخر، وجاءوا إليه. ولما أصبح مستحيلا على أحد بلوغ ركامه، نقلوه إلى الطائف، لإعادة الأشلاء إلى الجسم.
الذي لم يطبق الوصية كان أبناء لبنان. بدل أن يتخذوه وطنا اتخذوه رهينة، بعضهم ضد بعض. وبدل أن يتخذوه أرضا، اتخذوه ساحة مشرَعة على رياح الأرض. هذه المرة، تنعقد طائف مصغرة في بعبدا، ولكن للدور السوري حضور مباشر. ومنذ الطائف تغيرت في لبنان متغيرات كثيرة، غابت قوى وظهرت قوى، ولم تعد سورية وحيدة في صنع قرار لبنان، لكن إذا كانت الحرب ممكنة من دونها فالسلام لا مكان له.
ما يحدث عمليا، منذ فترة، أن الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد، يؤسسان لطائف يستكمل نفسه ولا ينقضها. وقد كان رفيق الحريري في حياته دورا مهما في الطائف الأول، وها هو في موته دور واضح. في الطائف الأول كان وكيل المصالحات بين اللبنانيين، وفي الطائف الثاني هو موضوعها. والسياسات القومية، في طبيعتها، طريق مفتوح، لا توقف فيه. فهي ليست سياسات فرعية، وعلاقة المستقبل بالماضي فيها لا تتعدى الحفاظ على آداب الحياة والموت. أما المستقبل فليس آدابا، إنه حكم الحياة.
أعطت قمة بعبدا الرئيس ميشال سليمان شرعيته العربية. يبدو من صورة الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد أن عهد الرجل قد بدأ اليوم. لم يعد من المقبول أن يعامله بعدُ سياسيو الموارنة وكأنه استعار عهده من سماحهم.