تأثير خفض ميزانية الدفاع الأميركية

TT

أثارت احتمالية الخروج من العراق وأفغانستان دويا في الكونغرس الأميركي بأن الوقت قد حان لخفض ميزانية الدفاع. ويقول دانيال إينوي (الديمقراطي من ولاية هاواي)، رئيس لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ، «إنني متأكد إلى حد ما من أن الخفض قادم، في ميزانية الدفاع والميزانية ككل». ويدفع وزير الدفاع بوب غيتس بالفعل تجاه إلغاء بعض البرامج المكلفة وتحقيق توفير من الميزانية الحالية.

وإذا كان هناك أي أدلة في أي وقت سبق على أنه من المستحيل التعلم من التاريخ، أو ذلك من الصعوبة بمكان من قبل السياسيين، فهذا هو الدليل. قبل أن يندفع المشرعون إلى خفض الإنفاق على الدفاع، ينبغي لهم التفكير في عواقب المحاولات السابقة للاستفادة من «عائد السلام».

بعد الثورة الأميركية، تقلصت قواتنا المسلحة من 35 ألف رجل عام 1778 (إضافة إلى عشرات الآلاف من جنود الميليشيا) إلى 10 آلاف فقط بحلول عام 1800. وكانت النتيجة أننا لم نكن مستعدين لمحاربة تمرد الويسكي، وهو ما كان يشبه حربا مع فرنسا، وخوض الحروب البربرية وحرب عام 1812، وكان من الممكن تجنبها جميعا إذا ما كانت الجمهورية الجديدة تمتلك جيشا وقوة بحرية يستحقان احترام الأعداء المحتملين، سواء كانوا أجانب أو محليين.

وبعد الحرب الأهلية، تقلص عدد الجنود في قواتنا المسلحة من أكثر من مليون رجل عام 1856 إلى 50 ألفا فقط عام 1870. وجعل ذلك فشل إعادة الإعمار أمرا حتميا، وكان هناك عدد قليل للغاية من القوات الفيدرالية لتطبيق سيادة القانون في الجنوب والتغلب على الحملة الإرهابية القاسية التي شنتها منظمات كوكلوكس كلان وغيرها من جماعات البيض. وسيظل التمييز العنصري وصمة عار في تاريخ الولايات المتحدة لقرن آخر من الزمان.

وبعد الحرب العالمية الأولى، تقلص عدد قواتنا المسلحة من 2.9 مليون رجل عام 1918 إلى 250 ألفا فقط عام 1928. وماذا كانت النتيجة؟ أصبح قيام الحرب العالمية الثانية أمرا مرجحا، وكانت معاركها الأولى أكثر تكلفة. تخيل ما هي الطريقة التي كان من الممكن أن يتصرف بها هتلر عام 1939 إذا تم نشر مئات الآلاف من القوات الأميركية في فرنسا وبولندا. وعلاوة على ذلك، كان من الممكن أن يفكر الزعماء اليابانيون مرتين قبل مهاجمة «بيرل هاربر» إذا ما كان وطنهم يواجه خطر التدمير من جانب آلاف القاذفات الأميركية وكان أسطولهم يواجه خطر التدمير من جانب عشرات حاملات الطائرات الأميركية.

وبعد الحرب العالمية الثانية، تقلصت قواتنا المسلحة من 12 مليون رجل عام 1945 إلى 1.4 مليون عام 1950. (انخفض عدد الجنود بالجيش من 8.3 مليون جندي إلى 593 ألف). وكانت النتيجة وجود مجندين على درجة سيئة من التدريب والتسليح تم سحبهم تقريبا من شبه الجزيرة الكورية بسبب الغزو الكوري الشمالي. ومن المحتمل أن يكون ما شجع كيم إيل سونغ على القيام بالعدوان في المقام الأول هو الانحلال السريع لقوة أميركا في زمن الحروب وإشارات من واضعي السياسة بأن كوريا الجنوبية كانت خارج «محيطنا الدفاعي».

وبعد الحرب الكورية، خضعت قواتنا المسلحة ككل لخفض أصغر - من 3.6 مليون رجل عام 1952 إلى 2.5 مليون عام 1959 - لكن الجيش فقد تقريبا نصف قوته الفعلية في هذه السنوات. واعتمدت سياسة «النظرة الجديدة» للرئيس دوايت أيزنهاور على أسلحة نووية غير مكلفة نسبيا لردع الاتحاد السوفياتي وحلفائه، بدلا من تشكل جيش دائم كبير الحجم ومكلف. ولم يكن الجيش الذي جرى إرساله إلى فيتنام مستعدا لمحاربة مقاتلي حرب العصابات، وهو العدو الذي لم يمكن هزيمته من دون قاذفة نووية محمولة باليد من نوع ديفي كروكيت.

وبعد حرب فيتنام، تقلصت قواتنا المسلحة من 3.5 مليون رجل عام 1969 إلى مليونين عام 1979. وكانت هذه هي حقبة «الجيش الأجوف»، المعروف بعدم كفاية معداته وضعف الانضباط والتدريب والروح المعنوية. وتجرأ أعداؤنا على العدوان، بداية من الثورات المناهضة لأميركا في نيكاراغوا وإيران إلى غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان. ولا نزال ندفع ثمنا كبيرا للثورة الإيرانية، في ظل اقتراب إيران من امتلاك السلاح النووي.

وبعد نهاية الحرب الباردة وحرب الخليج، تقلصت قواتنا المسلحة من 2.1 مليون فرد عام 1989 إلى 1.3 مليون عام 1999، وتراجع عدد أفراد الجيش من 769.000 جندي إلى 479.000. وترتب على ذلك تعرض الجيش لضغوط شديدة بسبب عمليات النشر التي جرى تنفيذها لجنوده لاحقا. ومن بين أسباب إرسال أعداد ضئيلة للغاية من الجنود لتحقيق الاستقرار بالعراق عام 2003 اعتقاد عدد من كبار المسؤولين أن أعداد الجنود الباقين غير كافية للاعتماد عليهم.

وما نزال نعاني من تداعيات إجراءات تقليص القوات المسلحة خلال حقبة ما بعد الحرب الباردة، حيث جابه الأسطول الأميركي صعوبات في التصدي للقراصنة الصوماليين، وفرض النظام بالخليج العربي وردع الأطماع التوسعية الصينية غرب المحيط الهادي. وأجبر الجيش وفيالق البحرية على الإبقاء على وتيرة عمل مرهقة للغاية دفعت الكثير من الضباط الشباب الواعدين للخروج من الخدمة. واضطرت القوات الجوية إلى الاعتماد على طائرات تعمل منذ عقد كامل حتى تتهاوى.

ربما ما يزال من المنطقي تقليص ميزانية الدفاع - إذا كانت تتسبب في دفعنا لحافة الإفلاس وتقوض سلامتنا الاقتصادية - لكن ذلك غير صحيح، حيث تشير الأرقام إلى أن الإنفاق الدفاعي يعادل أقل من 4% من إجمالي الناتج الداخلي وأقل من 20% من الميزانية الفيدرالية. ويعني ذلك أن قواتنا المسلحة أقل تكلفة بكثير بصورة نسبية عما كانت عليه على امتداد معظم فترات القرن العشرين. وحتى عند مستوى 549 مليار دولار تقريبا، تبقى ميزانيتنا الدفاعية في حدود معقولة بالنسبة لنا. في الواقع، إن هذا الرقم يعد فرصة رائعة لا ينبغي تفويتها بالنظر إلى العواقب التاريخية التي ترتبت على تقليصنا قواتنا المسلحة.

* زميل بارز في شعبة «جان جيه. كيركباتريك» لدراسات الأمن القومي في مجلس العلاقات الخارجية. الأميركي

* خدمة «واشنطن بوست»