تركيا ولعنة «الطربوش العثماني»

TT

رغم العراقة النسبية لتاريخ انطلاق المفاوضات في شأن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، حيث يعود إلى خريف 2003، فإن وتيرة هذه المفاوضات بطيئة إلى درجة تجعل منها شكلية أكثر منها جدية.

وإذا ما نظرنا في باطن تصريح رئيس الوزراء البلجيكي ايف لوترم خلال هذا الشهر، لوجدنا، إضافة إلى المجاملة والوعد بالعمل من أجل تحقيق تقدم في مسيرة التعاون الأوروبي التركي، أن مربط الفرس يكمن في الاستدراك الذي أعقب المجاملة السياسية وذلك بقوله الصريح إن مسألة إحراز التقدم محكومة بمدى قدرة أنقرة على تلبية الشروط المطلوبة منها.

إذن فنحن على مشارف مرور خمس سنوات على تاريخ انطلاق المفاوضات التركية الأوروبية ولا شيء على أرض الواقع يلمح ولو من بعيد إلى أن الحلم التركي في طريقه إلى التجسد. وبلغة السياسة يمكن القول إن إمكانية التسوية لم تتبلور بعد. ربما الجديد خلال رئاسة بلجيكا للاتحاد الأوروبي هو بداية التركيز على ما تم وصفه بتفعيل التعاون والتشاور على مستوى السياسة الخارجية وهي نقطة تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي مازال يراوح في نفس الخطة التكتيكية المتمثلة في الترغيب الهلامي دون أي تأكيدات عملية. ذلك أن هاجس الاتحاد الأوروبي ليس في كيفية ربح تركيا وإنما في الطرائق المؤدية لعدم خسارتها دون أن تدخل النادي الأوروبي. إنها طريقة مثالية مصلحية تحتكم إلى منطق ضيق يفكر في تحقيق الربح دون إنفاق فلس واحد في التكلفة والمصاريف السياسية!

إن مؤشرات كثيرة تؤكد أن أنقرة أمام تقاعس الاتحاد الأوروبي ومراوغاته، قد لجأت إلى مفاوضات من نوع آخر ترسل من خلالها رسائل تعكس مدى قدرة تركيا على المضايقة وما يمكن أن تشكله من تهديدات حقيقية إذا تمكن منها اليأس من دخولها النادي الأوروبي. وبالتالي فإن تركيا تسعى من خلال مواقفها الأخيرة إزاء إسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي وأيضا السلاح النووي الإيراني إلى إرغام الاتحاد الأوروبي على القبول بها وذلك بطريقة ناعمة ظاهريا.

والسؤال الذي يفرض نفسه هو إلى أي حد سيتفاعل الاتحاد الأوروبي مع إرغام تركيا المقنع؟

تمازج أنقرة بين أسلوب الإرغام غير المباشر الذي تدفعها إليه الثقة العالية بالانضمام آجلا أم عاجلا وبين سياسة الدولة المجتهدة ديمقراطيا إذ تبذل جهدا من أجل الاستجابة للمطالب / الشروط، ومن ذلك الاستفتاء الشعبي الذي سيتم في سبتمبر (أيلول) القادم حول حزمة من الإصلاحات الدستورية، التي ستصب في رصيد المسار الحرياتي والديمقراطي التركي دون أن ننسى التصريح المفاجأة الذي سحب البساط رمزيا من أوروبا عندما قال أردوغان إن تركيا مستعدة لسحب جيشها من شمال قبرص إذا قطعت الشوط الجدي في مفاوضاتها العسيرة الخاصة بمسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وفي الحقيقة، حتى لو استجابت تركيا للمطالب والشروط كافة، فإن ذلك لن يغير من واقع المفاوضات شيئا ذلك أن العوائق المسكوت عنها ذات صلة بالجغرافيا والدين حيث إن 97% من مساحة تركيا تقع في آسيا وأيضا 97% من سكانها يعتنقون الدين الإسلام مع العلم أن تعدادها السكاني يفوق 70 مليون نسمة.

فهل تغامر أوروبا، المصابة بفوبيا الإسلام والقلقة من العلامات الدينية التي بات تغزو فضاءاتها العمومية، وتقبل تركيا الدولة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط عضوا في الاتحاد الأوروبي؟ أغلب الظن أن المشكلة أكثر تعقيدا مما يعلن ويروج.

إذا الصورة يهيمن عليها الطربوش العثماني رغم أن أحفاد أتاتورك المخلصين يسيطرون بقبعتهم الأوروبية على جزء مهم من الصورة والمشهد ككل.