أحلق دقني إن كان فلح

TT

هذا ما حكاه لي أحدهم في ساعة تجلّ، حيث فهمت منه أنه عندما كان في السنة العاشرة من عمره حصل طلاق بين والده ووالدته، وانفصلا بشكل شبه ودي وغير عنيف، وقال: اتفق الاثنان فيما بينهما أن يحتوياني بالتبادل والتساوي، لكي يشعراني بالعطف ولا أصاب بأي انتكاسات نفسية جراء طلاقهما، على حد زعمهما.

وفعلا كنت أقضي شهرا أو شهرين أو ثلاثة مع والدتي، وبعدها أقضي مثلها مع والدي، وقُدر لأمي أن تتزوج، وكذلك أبي، فأصبح لي بذلك والدان ووالدتان، ومن هنا بدأت الغيرة والمناكفات.

وأذكر أنني عندما انتقلت في إحدى المرات من بيت أبي إلى بيت أمي، وشاهدتني ألبس (تي شيرت) جديدا، سألتني: من انتقى لك هذا، هل هي زوجة أبيك؟!، وعندما قلت لها: نعم، قالت: يا لهذه المرأة العديمة الذوق، إنه لا يناسب سنك إطلاقا، وأمرتني أن أرميه في الزبالة، واشترت لي آخر على ذوقها.

ونفس الشيء عندما ذهبت إلى منزل والدي في الشتاء، وشاهدني ألبس (بلوفر) من الصوف، وإذا به يسألني من اشتراه لي، فلما أخبرته أنه هدية من زوج أمي امتعض وانقلب وجهه، وتركني وخرج وهو يقول لي: لا أشوفك لابسه بعد الآن.

وعندما بلغ عمري 12 سنة، أصرت والدتي على إدخالي مدرسة داخلية، فثارت ثائرة أبي قائلا لي: طبعا أنا عارف ليه هي تريد أن تدخلك هذه المدرسة، ليس من أجل مصلحتك، ولكن من أجل أن يخلو لها الجو مع زوجها وتأخذ راحتها على الآخر.

وقبل دخولي المدرسة بأيام أصبت بإنفلونزا حادة، وذهبت إلى منزل أمي ومكثت طريح الفراش، وكانت أمي طوال الوقت تصب الدعوات تلو الدعوات على زوجة أبي، مؤكدة أنها تعمدت إهمال صحتي، وكأنها هي التي حقنتني بهذا المرض.

ومن المضحك أن أمي عندما كانت تغضب مني تقول لي: إنك تشبه أباك، وبالمقابل فأبي عندما يغضب مني يقول لي: إن حنكك يشبه حنك أمك.

وأكثر ما كان يقض مضجع والدتي ويرفع ضغطها هو أن زوجة أبي تصغرها بستة أعوام، وما من مرة عدت فيها من بيت أبي إلا وسألتني قائلة: أما زالت تلك الجاموسة تفرط بالأكل، وعندما أجيبها بنعم تفرح، لأنها بذلك تكون على يقين أن الأخرى قد زاد وزنها عدة كيلوات، وتتركني وهي تردد بصوت مرتفع ساخر: «اللهم زد وبارك، ولكن الحق ما هو عليها، الحق على أبوك اللي يمشي وراها مثل (الطرطور)».

ولا أنسى عندما تزوجت أمي بزوجها الحالي، وعرف أبي بذلك، كيف أنه أخذ يضحك بشماتة، وهو يقول: يا لأمك المهبولة التي تتزوج من هذا الرجل الأجوف البليد الفاشل، ولكن خليها تستاهل علشان تعرف العز اللي كانت عايشة فيه، وبعدها توقف فجأة عن الضحك، ثم التفت لي قائلا وهو يمسك بذقنه: أحلق دقني إن كان فلح زوج أمك في شيء.

ومرت عدّة أعوام وإذا بزوج أمي ينجح في أعماله، ويتولّى منصبا رفيعا، وبدأت صوره تظهر في وسائل الإعلام، وإذا بوالدي يقلب الأسطوانة، ويبدأ بالتهكم والتشنيع على زوج أمي قائلا: طبعا هي (الواسطة) يا سيدي ما غيرها، واللعب (تحت الطاولة)، والصفقات المشبوهة هي التي أوصلت زوج أمك إلى ما وصل إليه، ولكن الله لا يهنيه لا في دنيا ولا في آخرة.

استمعت صامتا إلى كلام أبي، وأنا أتأمل ذقنه التي وجدتها قد زادت عدّة سنتيمترات، متذكرا منظره قبل سنوات وهو يمسك بها قائلا لي: أحلق دقني إن كان فلح.

[email protected]