ليالي بغداد

TT

الأخت الفاضلة ابتسام العطيات واقعة في غرام. وغرامها هو العراق. كشفت عن هذا الغرام المبرح في تعليقها على ما قلته عن التعددية في العراق. قالت إنها ترى أن حتى الظلام في العراق أجمل منه في أي مكان في العالم. ألم أقل؟ هذه عين العاشقين. ولكنني أتفق معك تماما في هذا. فليالي بغداد من أجمل الليالي في العالم، ولهذا ذاع صيتها «ليالي بغداد». ولهذا أيضا نرى أن العراقيين تفردوا عن كل العالمين في النوم وقضاء لياليهم على سطوح بيوتهم. كل الآخرين ينامون في الغرف إلا العراقيين. لا يريدون أن يفوتوا على أنفسهم متعة النظر إلى سماء بغداد ليلا. فبدرها أغنى ضياء ويبدو كما لو كان الأكبر في العالم. ونجومها أكثر لمعانا حتى انني عند عودتي بعد غيابي الطويل عن العراق كنت أضطر لأن أغمض عيني عندما أنظر إلى السماء ليلا لأنني وجدت أن شدة لمعان نجومها كان يتعب عيني. هناك حاجة لاختراع نظارات خاصة تقي العين من نجوم بغداد، ففيها يحتاج الإنسان إلى نظارتين، واحدة للشمس في النهار، وواحدة للنجوم في الليل.

كتبت عن التعددية فأثرت بها تعددية في التعليقات. كلا الأخوين محمد أحمد محمد من مصر ومتقي عادل يشككان في مقولتي عن خطر التعددية على الوحدة الوطنية ويلفتان نظري إلى الازدهار والقوة التي تمر بهما أميركا رغم كل ما فيها من تعدد أجناس سكانها. ليس لي غير أن أقول إن أميركا هي الشذوذ الذي يثبت القاعدة، كما يقال. ولكن علينا أن نتذكر أنها عندما انطلقت من عشها لتبني مجدها في القرن الثامن عشر لم تكن فيها أي تعددية. كانوا جميعا أنغلوسكسون من بريطانيا. ظهر التعدد فيما بعد في القرن العشرين.

المثل الأفضل من أميركا هو سويسرا. فلعدة قرون ظل شعبها يتكون من ألمان وفرنسيين وإيطاليين ويتكلمون بلغاتهم القومية المختلفة ويؤمنون بمذاهب مختلفة، ومع ذلك فلم نسمع عن أي حرب أهلية بينهم أو أي تقاتل طائفي أو قومي. مضوا وحققوا كل هذا الرفاه والازدهار والتقدم الذي نعرفه عن سويسرا. انبهر بما رآه فيها كامل الجادرجي، الزعيم العراقي المعروف. التقى بعد عودته بأصحابه ووصف لهم ما رآه من حضارة وسؤدد هناك، ثم التفت إلى بعض الحاضرين من الزعماء الأكراد وقال لهم: انظروا ما حققه السويسريون في بلدهم. سويسرا مثل كردستان. بلد جبلي فقير، منعزل عن العالم، لا معادن ولا موارد غير الجبال الجرداء الوعرة. ومع ذلك استطاعوا أن يبنوا هذه الحضارة والرقي. لماذا أنتم أيها الكرد عجزتم عن تحقيق مثل ذلك لكردستان؟ أجابه أحدهم قائلا: معلوم، يحققون كل هذا الازدهار والرقي لأنه ماكو حولهم عرب!

«إلى شمالهم يوجد ألمان. إلى غربهم يوجد فرنسيون. إلى جنوبهم يوجد إيطاليون. إلى شرقهم يوجد نمساويون. نحن إيش عندنا في كردستان؟ بشرقنا عجم وبغربنا عرب. شلون ننهض؟».