السعودية وسورية وحملة التشويش

TT

جملة مواقف لأطراف متناقضة حيال جولة الملك عبد الله بن عبد العزيز العربية وزيارته مع الرئيس السوري لبيروت، تستحق القراءة، أولها الموقف الأميركي؛ فعشية زيارة العاهل السعودي لسورية صرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية تصريحا غريبا، ومستفزا، حين طالب الرئيس السوري بالاستماع بانتباه لما سيقوله الملك عبد الله حيال العلاقة السورية - الإيرانية. وفي دمشق قال لي مسؤول سعودي «معقولة.. ما الذي تريده واشنطن؟!».

أما فرنسا فقد اعتبرت الزيارة المشتركة للعاهل السعودي والرئيس السوري للبنان «صمام أمان»، إلا أنها تتخوف من «محدودية» مفعولها، مع التشديد على أن محكمة الحريري دولية ولا مساس بها. بينما يحاول الإيرانيون الالتفاف على التحرك السعودي، مثلهم مثل حزب الله، حيث يقول السفير الإيراني في بيروت إن تحسن العلاقة السعودية - السورية يعني تقاربا سعوديا مع إيران، وفي هذا استفزاز للسوريين بالطبع. أما حزب الله فيقول إنه يرحب بالجهد السعودي لتطويق محكمة الحريري، وهذا أمر غير صحيح، ولم يقل به أحد.

وعليه؛ فمن الواضح أن الأميركيين يريدون استفزاز دمشق، وإحراجها، وبالتالي الحيلولة دون تحقيق انفراجة في العلاقة العربية - العربية، إلا بشروطهم، وإلا كيف يفسر تصريح الخارجية الأميركية، وتوقيت تجديد العقوبة على سورية. والغريب أن واشنطن تريد نهج سياسة «اليد الممدودة» تجاه طهران، رغم كل ما تفعله إيران من تخريب، ولا تريد من السعودي أن ينفتح على السوري، والعكس، من أجل سلامة المنطقة، التي يقف فيها الأميركي عاجزا، سواء تجاه إيران أو إسرائيل. فهل المطلوب أن نترك المنطقة تتدحرج إلى الجحيم؟

والأمر نفسه مع الفرنسي؛ فباريس التي انفتحت على دمشق يوم كانت أصابع الاتهام حول اغتيال الحريري تصوب مباشرة، وبحدة، إلى سورية، تقول اليوم إنها قلقة من محدودية زيارة الملك عبد الله والرئيس السوري لبيروت، وتؤكد أن لا مساس بمحكمة الحريري. فهل يعقل أن تخشى باريس اليوم على المحكمة التي يقال إنها تلاحق حزب الله، ولم تخش عليها يوم انفتحت باريس على دمشق قبل عامين؟ شيء غريب فعلا!

أما تصريحات السفير الإيراني فهي تنم عن قلق؛ فإيران تصارع اليوم لحماية المالكي في العراق، خصوصاً أن الطرفين الأقل تحمساً له عربياً هما الرياض ودمشق، كما تصارع لحماية حزب الله، الذي يحاول بدوره التذاكي بتفسير مغزى الزيارة السعودية - السورية لبيروت. إلا أن الحزب، وفي غمرة الحالة المتشنجة التي يعيشها، يتناسى أمراً مهماً جداً يستحق التفكير، وهو أنه سبق لدمشق أن أعلنت أنه في حال تم اتهام أي من مسؤوليها باغتيال الحريري فإنها ستحاكمه داخلياً بتهمة الخيانة العظمى، بينما الحزب اليوم يقول إنه لن يناقش، أو يحقق، أو يتباحث، بل ويهدد الجميع في لبنان!

وما يجب أن نتنبه له أخيراً، هو أنه رغماً عن قول الإيرانيين وحزب الله إن محكمة الحريري عمل أميركي - إسرائيلي، فإننا نجد أن طهران والحزب هما اللذان يتوافقان مع كل الذين يحاولون التشويش على الجولة العربية المهمة والمؤثرة التي قام بها الملك عبد الله من أجل تحقيق التقارب العربي - العربي، وضمان استقرار لبنان!

[email protected]