القصيبي.. للمجد رجاله وأثمانه

TT

في مكتبة «أنطوان» بشارع الحمراء البيروتي وقف صديقي اللبناني مشدوها وأنا أسأل عن بعض كتب وروايات الوزير والشاعر والروائي السعودي الدكتور غازي القصيبي، ولم يتردد في أن يعلق مازحا: «فين أذنك يا جحا؟!»، مستغربا البحث عن كتاب لمؤلف سعودي في لبنان بدلا من الحصول عليه في بلده، ومعه الحق في ذلك، فكيف لأديب، ورجل دولة مثل القصيبي أن لا يقرأ في بلده؟! فضلا عن أن منع الكتاب في العصر الإلكتروني قضية تبدو مثيرة للدهشة، فهي لم تعد واردة في أذهان الكثيرين، فمن يستطيع أن يمنع السماء من أن تمطر الكتب التي نريدها؟

وينظر المثقفون اليوم بقدر كبير من التقدير إلى قرار وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عبد العزيز خوجه بالسماح لجميع كتب القصيبي، وإن كانوا يتمنون لو أن هذه الخطوة قد اتخذت منذ سنوات، وأن لا تأتي كحالة تعاطف مع القصيبي في الظروف المرضية التي يمر بها، فالتعامل مع الكتاب قضية عقلانية بحتة، وموقف مبدئي، والقصيبي كأديب، ومفكر، وفنان يستحق منا أن يكون له كامل الحضور في بلاده، وهذا ينطبق على غيره أيضا من الكتاب والأدباء والمفكرين السعوديين.

وقد سألتني ذات مرة الروائية الشهيرة أحلام مستغانمي: «كيف يمكن لمسؤول كبير مثل القصيبي أن يجد وقتا لكل هذا الإبداع الجميل؟»، فقلت إنه رجل يفعل كما فعل سلفادور دالي، حينما رسم زوجته وعليها قطع من «الكوستليته»، فقيل له لماذا جمعت بينهما في لوحة واحدة؟ فقال: لأنني أحب الاثنين، والقصيبي أحب الأدب، وعشق الإدارة، فأحرق الشمعة من طرفيها ليتوهج في المجالين، وما زلت أذكر ذلك اليوم الذي تم فيه تكليفي من قبل إحدى الصحف لتغطية زيارة للقصيبي إلى حائل لافتتاح بعض المشاريع، وكان يومها وزيرا للصناعة، وقتها أتى من الرياض إلى حائل صباحا، ليفتتح في الظهر محطة للكهرباء، وامتدت فعاليات الافتتاح إلى ما بعد العصر، وبعدها بساعة كان يلقي محاضرة في نادي «الجبلين» الرياضي، وعقب المحاضرة لبى دعوة عشاء استمرت إلى وقت متأخر من الليل، وكان - بالنسبة لي - يوما طويلا وشاقا، وتخيلت كم هو شاق أيضا على القصيبي، أذكر يومها أنني عدت إلى الفندق لأنام كالقتيل بضع ساعات، وحينما استيقظت صباحا بصعوبة، كان التلفزيون ينقل خبرا عن استقبال القصيبي في مكتبه في الرياض لوفد أوروبي، وقد بدا القصيبي في كامل حيويته ونشاطه ومرحه، فأدركت يومها أن للمجد رجاله، وأثمانه، وتضحياته.

فيا أيها المبدع انظر حولك، ستجد قلوبنا التي أحبتك تحولت إلى زهور دوار الشمس، تتفتح شوقا في اتجاهك.

[email protected]