«رالي» أفريقيا الآخر

TT

جاء نابليون إلى مصر لكي تعبر منها الإمبراطورية الفرنسية إلى السودان، ومنه إلى أفريقيا المسلمة. هناك يواجه الإسلام أو يحالفه. وبعد قرنين جاء القومندان جونو، وهو مستعرب معروف، إلى الخرطوم، وعقد مع نظام البشير - الترابي صفقتين: الأولى تسليم كارلوس، والثانية دعم سوداني لفرنسا في أفريقيا المسلمة، حيث لها مصالح كبرى وقديمة.

كانت فرنسا تتطلع دائما إلى علاقاتها مع ديار المسلمين من خلال أفريقيا، تماما كما كانت بريطانيا تتعاطى مع البلدان الإسلامية، وقبلها مع ما يمكن أن يفعله مسلمو الهند. في 14 يوليو (تموز) الماضي استضاف نيكولا ساركوزي زعماء الدول الأفريقية كضيوف شرف في يوم الجمهورية. وبعد قليل كان الموضوع الأفريقي ينفجر من خلال محاولة فاشلة لتحرير رهينة فرنسي في مالي عن طريق موريتانيا. كان الفرنسيون قد نجحوا من قبل في تحرير سفينة اختطفها قراصنة الصومال. وبعد مقتل الرهينة الفرنسي وقف ساركوزي يعلن أن فرنسا تواجه حربا طويلة معقدة من «القاعدة».

هذه الحرب شرحتها «الموند» في عنوان رئيسي: «من مالي إلى الصومال.. التهديد الإسلامي الجديد في أفريقيا». وتحت العنوان خريطة بالبقع الحمراء لمناطق الخطر: من المغرب إلى تنزانيا، مرورا بموريتانيا وتونس ومصر والصومال (البقعة الأكبر) إلى أوغندا وكينيا وتنزانيا.

بدأت عمليات «القاعدة» في الظهور في القارة عام 1998، بانفجاري السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا، وفي 11 يوليو الماضي بلغت أوغندا، قبيل انعقاد القمة الأفريقية. بالإضافة طبعا إلى النشاط الظاهر في نيجيريا والسنغال. واضح من كلام ساركوزي أن فرنسا تعتبر نفسها مهددة في أفريقيا، أو معنية مباشرة، بقدر ما هي أميركا معنية بالصراع المباشر في أفغانستان والعراق.

يعيد ذلك إلى الذاكرة كيف كان ديغول يعطي أهمية كبرى إلى أفريقيا. وقد أوكل شؤون الفساد فيها إلى مستشار في الإليزيه يسمى «بابا أفريقيا»، وكانت وظيفة الرجل إهداء الشقق (وغيرها) في باريس لرؤساء أفريقيا الفرانكفونية. وقد أعرب عن تضايقه (كما روى في مذكراته فيما بعد) عندما صار رؤساء أفريقيا الأنغلوفونية يأتون أيضا بحثا عن شقق فاخرة في العاصمة.

يحذر مدير المخابرات الفرنسية من «مفاجآت غير سارة في القارة السوداء». وهذا يعني أن المسألة في القارة كانت أهم بكثير من أن تترك لدعوة خاصة إلى 14 يوليو. إن ما يواجهه العالم ليس شأنا احتفاليا.