مات عدسا!

TT

أيام نحاول نسيانها لكن لا نستطيع.. فقد كان أثرها قويا بعيدا.. وكانت نهاية حزينة مفاجئة. كان ذلك يوما من أيام الفكاهة والمرح.. وذهبت فوجدت الشاعر كامل الشناوي.. فأنت في ليلة الأغاني والسهر والمقالب والتعبيرات المبتكرة. في تلك الليلة طلب كامل الشناوي أن يأكل كل منا على هواه، وأكد أن الطاهي الجديد لفندق شبرد سوف يحقق هذه المعجزة.

أما الشاعر صالح جودت فطلب حماما محشوا بالفستق.. والشاعر أحمد رامي طلب دجاجة محمرة متوسطة الحجم.. ويوسف وهبي طلب أي طعام مسلوق.. وطلبت إحدى الراقصات فرخة صغيرة محمرة بالأرز.. وطلب الشاعر الغنائي حسين السيد سمكة.. والشاعر كامل الشناوي قال: «بل أريد عدسا ساخنا وفيه ليمون والقليل من الشطة»!..

واستأنفنا المناقشات في الشعر الحديث.. والشعر اللامعقول.. والشعر العمودي.. والخلافات التقليدية بين المتنبي وأبو تمام والبحتري.. وطال الحديث والتعليقات المضحكة ونسينا أننا طلبنا طعاما وأننا كنا جياعا.. وفجأة جاءت الأطباق يحملها عدد كبير من السفرجية الذين وقفوا في ترتيب منظم يليق بالفنادق الكبرى..

وجاء من يهمس في أذن كامل الشناوي بما لا نعرف. وجاءت أوراق مكتوبة لكامل الشناوي يضعها في جيبه. ولم يتوقف عن الكلام والسفرجية يوزعون الطعام ويسألون: «الدجاجة لمن؟.. البطة لمن؟..الديك الرومي لمن؟».. وكان طالب الديك الرومي هو الوزير حنفي محمود.. نظر إلينا كامل الشناوي ثم أعاد النظر كأنه يتأكد من أن أحدا غريبا قد تسلل إلينا.. ورفع طبق العدس وراح يشرب ويضحك.. وسقط على الأرض والعدس فوقه ونحن أيضا. لقد مات كامل الشناوي. وجاءت أنابيب الأكسجين متأخرة جدا.. فالشوارع مزدحمة، وحركة المرور بطيئة، وهذا أقصى ما نستطيع.

نكتة!.. مسكين كامل الشناوي.. عاش نكتة ومات نكتة أيضا!

وكثيرا ما سئلنا: «وكيف مات؟».. فكنا نقول بسبب الانفعال الشديد وهو مريض بالسكر، وكثيرا ما كان يصاب بالإغماء، وهذه إحدى المرات مع الأسف!

وكذلك أستاذنا العقاد كنا نقول: ولا حاجة.. إنه كان يشرح لنا إحدى السور القرآنية وكيف تناولها بصورة معاصرة لا يرفضها الدين.. مثلا قوله تعالى.. وقوله تعالى.. وقوله.... وسكت ولم يقل.. مات الأستاذ العظيم في غاية الهدوء.. لا بكى، ولا اشتكى، ولا صرخ، ولا طلب الرحمة والعفو والسماح من أحد.. وإنما قال في هدوء غريب جدا: يا الله!