العرب لا يدفعون ويملون شروطهم!

TT

لا أحد يقول كل الحقيقة حتى في القضايا السهلة مثل المفاوضات، وهذه قصتها. باراك أوباما فعلا هو أكثر رئيس أميركي متحمس لإقامة الدولة الفلسطينية وتحرير الضفة وغزة، التي عجز العرب ومن ساندهم عن استردادها بالحروب والمفخخات والمظاهرات والخطب الحماسية لأكثر من 40 عاما. ومن الطبيعي أن تكون المفاوضات بديلا عند الهزيمة، حتى «أوسلو» التي انتقدها كثيرون حققت أكثر مما حقق أهل العنتريات. بسببها عاد عرفات ومنظمة التحرير من المنفى في تونس، ومعهم أكثر من مائة ألف فلسطيني، فأمسكوا بالضفة وغزة بدلا من «الحمامات» التونسية وحي «الفاكهاني» في بيروت. عاد إلى فلسطين فأوقف بذلك مشروع الاستيلاء والطرد الإسرائيلي.

اليوم خليفة عرفات يعيش حالة تردد منذ رسالة أوباما الأولى بعد توليه الرئاسة قبل عام ونصف العام، عندما دعاه للتفاوض. ومع أن عباس كان يتفاوض دائما مباشرة مع الإسرائيليين، فإنه قرر إضافة شرط لم يكن موجودا في الماضي وهو وقف الاستيطان. ومع أنه محق جدا، فإن الشرط خدم غرض رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي لا يريد التفاوض ويبحث عن ذريعة للتملص من ضغوط أوباما. وهكذا ضيعت القيادة الفلسطينية أهم 18 شهرا.

الجزء المجهول أن أبو مازن هو الآخر تحت ضغوط عربية هائلة تحذره من المفاوضات المباشرة رغم أنها كانت تسكت عليها في زمن عرفات وتسكت على الاستيطان. الفارق أن عرفات كان ينفذ ما يريد بأسلوبه الشخصي المختلف عن أسلوب أبو مازن الصادق جدا في منطقة تشتهر بالخداع السياسي. ومع أن أبو مازن ساير التحفظات العربية، فامتنع وضيع الوقت الثمين من زمن أوباما واستمر الاستيطان، فإن العرب لم يساعدوه سياسيا ولم يساعدوه داخليا. حاليا الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة يعيش ويأكل خبزه من مدفوعات المساعدات الأوروبية والأميركية، والقليل جدا من المال من الدول العربية! بل إن ما أنفقه العرب على لبنان ماليا أكثر مما أنفقوه على الشعب الفلسطيني بكل أسف، وأسفي ليس إنكارا على شق الطرق وبناء المستشفيات هناك، بل الأولوية واضحة هنا، الفلسطينيون أحق ووضعهم أخطر.

أبو مازن أمره غريب، يريد أن يأكل من خبز الغربيين ويفضل الاستماع للعرب! لهذا لا شيء يحدث سلما أو حربا. أوباما الذي ضاق ذرعا بأبو مازن أرسل له خطابا سريا تسرب منه ما يكفي. فالرجل تعهد له بأن يمارس أكبر قدر ممكن لمنع الاستيطان، مشيرا إلى أن حجم الاستيطان في عهده هو أقل من الماضي بسبب ضغوطه على نتنياهو. وعلق جزرة أخرى أمام عيني أبو مازن، مؤكدا أنه سيدعم بقوة كبيرة تحقيق الدولة الفلسطينية. ووعده بأن يفرض على الإسرائيليين أن يتخذوا خطوات تحسن من الوضع اليومي على الأرض للإنسان الفلسطيني. وفي السطر الأخير لوح أوباما بعصاه، حيث هدد بأنه لو رفض أبو مازن التفاوض سيتخلى عن دعمه للمشروع الفلسطيني!

هذه هي القصة، والقرار الآن برمته على كاهل الرئيس أبو مازن، وعليه أن يتخذ القرار التاريخي، بعد أن بدد الكثير من الوقت بتردده، وحذره المفرط، فلم يكسب عربيا ولا غربيا. خياره واحد من اثنين، إما أن يفاوض أو يحارب، لا أن يجلس كما لو كان رئيسا عربيا آخر في بيت الرئاسة. وظروفه اليوم رغم صعوباتها أفضل من ظروف أبو عمار، حيث يخدمه الوضع الإقليمي بسبب بن لادن «القاعدة» ونجاد إيران. فمن أجل محاربة هذين العدوين، الغرب مستعد لدعم الفلسطينيين وإرضاء القطاع الواسع من العرب. لكن هذا لن يتحقق بإضاعة المزيد من الوقت. وقد رأى أبو مازن، خلال الأشهر الثلاثة الماضية كيف أن حماس تخلت عن كل شيء من أجل أن تقابل موظفين أميركيين من درجة ثالثة، معلنة استعدادها للتنازل عن خيارها العسكري وراضية بحدود 67!

أخيرا، أقول له ما قاله الرئيس الراحل عرفات لزميلنا سعد السيلاوي عندما كان يجري معه مقابلة، ويبدو أنه غفا بسبب طول إجابة أبو عمار. فجأة صرخ فيه عرفات وقال «اصح يا سعد، الصهاينة أخذوا القدس».. اصح يا أبو مازن، إما أن تحارب أو تفاوض.

[email protected]