هل بدأت حرب الناقلات في مضيق هرمز؟!

TT

تعرضت ناقلة النفط اليابانية «إم ستار» إلى انفجار بعد منتصف ليل الثلاثاء 27 يوليو (تموز) الماضي أثناء مرورها في مضيق هرمز في الخليج العربي. وأدى الانفجار إلى حدوث فجوة مربعة كبيرة في الجانب الأيمن لمؤخرة الناقلة اليابانية، لكنه لم يؤثر على ماكينات التشغيل مما مكنها من الرجوع إلى ميناء الفجيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة لإصلاح العطب. كانت الناقلة تحمل مليوني برميل من النفط، جاءت بنصفه من ميناء سعيد بدولة قطر والنصف الآخر من جزيرة داس التابعة للإمارات، وهي في طريق عودتها إلى اليابان.

وقع الانفجار خارج المياه الإقليمية الإيرانية، بين الساحل الإيراني في الشرق وسواحل سلطنة عمان ودولة الإمارات في الغرب. ويمتد مضيق هرمز مسافة 280 كيلومترا بين الخليج العربي وخليج عمان، يتراوح عرضه بين 39 و54 كيلومترا ولا يزيد عمقه عن 80 مترا، وقد أخد اسمه عن الجزيرة الإيرانية هرمز التي سميت على اسم «إله الخير» في بلاد فارس القديمة. وتقع جزيرة هرمز الجبلية على بعد 5 كيلومترات من الساحل، وتبلغ مساحتها نحو 42 كيلومترا مربعا، بها قلعة أثرية بناها البرتغاليون عندما احتلوها عام 1506، ثم استولت عليها القوات البريطانية الإيرانية المشتركة عام 1622 لتصبح بعد ذلك جزءا من دولة إيران الحديثة. كما تسيطر إيران على 3 جزر أخرى في مضيق هرمز، استولت عليها من دولة الإمارات العربية المتحدة سنة 1971.

كان الاعتقاد في البداية أن الناقلة اليابانية تعرضت لموجات عالية من المياه أدت إلى وقوع هذا الانفجار. فقد صرح أحد المسؤولين في ميناء الفجيرة أن زلزالا وقع عند بندر عباس الإيرانية في الوقت نفسه هو الذي تسبب في حدوث موجات عالية للمياه في مضيق هرمز القريب. لكن الوضع تغير بعد فحص طبيعة العطب الذي حدث في الناقلة، وسماع أقوال أفراد طاقمها. فقد تبين أن الفجوة التي ظهرت في الجانب الأيمن للناقلة يحدث عادة نتيجة الاصطدام بمركب أو غواصة أو لغم بحري. كما قال أحد أفراد الطاقم إنه شاهد وميضا من النار يضيء الأفق، قبل سماع صوت الانفجار مباشرة.

بعد ذلك قال يوكي شيسودا وزير الاتصالات الياباني إن هناك إمكانية في أن يكون الانفجار قد نتج عن هجوم خارجي على الناقلة، كما تحدث ممثل شركة «ميتسيو» المالكة للناقلة عن اعتقاده بوقوع هجوم خارجي على «إم ستار». وقد شكلت الشركة اليابانية التي تمتلك الناقلة لجنة من 10 خبراء للتعرف على أسباب حدوث الانفجار، مستعينة بالخبراء الأميركيين والبريطانيين في بحثها. وفي الوقت نفسه قالت جريدة «ذا كريشتيان مونيتور» الأميركية إن هناك من يوجهون أصابع الاتهام إلى إيران بإصابة الناقلة اليابانية، فهي التي سبق لها أن هددت بإغلاق مضيق هرمز ردا على العقوبات التي فرضت عليها.

كان مجلس الأمن الدولي قد قرر في يونيو (حزيران) الماضي - بموافقة روسيا والصين - فرض عقوبات اقتصادية على إيران، بسبب إصرارها على المضي في نشاطاتها النووية والعمل على امتلاك الأسلحة الذرية المحرمة. ثم قامت الولايات المتحدة قبل نهاية الشهر نفسه بفرض عقوبات إضافية على الحرس الثوري ومجال الطاقة. وبعد شهر واحد قررت دول الاتحاد الأوروبي في يوليو توقيع عقوبات اقتصادية أخرى على إيران، زادت من المشكلات التي تواجهها في الحصول على البنزين والاستثمارات الخارجية. إزاء هذا الموقف الصعب الذي وجدت إيران نفسها فيه، يعتقد بعض المحللين أنها قررت الرد على هذه العقوبات بتحذير للغرب عما يمكن أن يواجهه في حالة استمراره في تهديد المصالح الإيرانية.

فمنذ اشتداد الخلاف بين طهران والغرب بخصوص برنامجها النووي، قامت إيران في 2008 بإنشاء عدد من القواعد البحرية على طول ساحلها المطل على الخليج، وأقامت عدة مراكز عند مضيق هرمز. وعبر الأميرال حبيب الله سباري – قائد البحرية الإيرانية – في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 عن قدرة السلاح البحري الإيراني على إغلاق مضيق هرمز في حالة حدوث اعتداء على بلاده، ومنع أي عدو من دخول الخليج. كما أعلن علي محمد جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني في 29 يونيو 2008 أنه في حالة الهجوم على بلاده فسوف تقوم إيران بإغلاق مضيق هرمز أمام الناقلات لمنع النفط من الوصول إلى الغرب. ولما كانت إيران تتخوف من هجوم تشنه إسرائيل أو الولايات المتحدة على مفاعلاتها النووية، فقد اعتبرت أن الطريق الوحيد أمامها هو تهديد مصالح الغرب في منطقة الخليج. فإيران وإن كانت قد تمكنت من إنتاج عدة صواريخ هجومية، إلا أنها تفتقر إلى الصواريخ الدفاعية القادرة على حماية أجوائها، خاصة بعد أن تراجعت روسيا مؤخرا عن تنفيذ اتفاقها بتزويدها بشبكة من الصواريخ الدفاعية الحديثة. لهذا تعتمد إيران على استراتيجية تهديد الغرب بضرب مصالحه في منطقة الخليج، كوسيلة أساسية في الدفاع عن نفسها.

وتمتلك البحرية الإيرانية في الخليج بعض السفن الحربية المصنوعة في الصين وفرنسا، من بينها 5 سفن صينية حديثة من موديل «كات 14» السريعة، مجهزة بأحدث أجهزة الرادار والصواريخ المضادة للسفن إلى جانب بعض الغواصات. كما قامت إيران بتصنيع الكثير من زوارق الطوربيد الصغيرة، التي تقوم بالمناورة على طول ساحلها المطل على الخليج. وفي الوقت نفسه ترابط وحدات الأسطول الخامس الأميركي في قاعدته بالبحرين، على مسافة غير بعيدة من الساحل الإيراني ومضيق هرمز، كما تجوب غواصتان إسرائيليتان مياه المحيط الهندي، قبالة الساحل الإيراني.

مما لا شك فيه أن الهدف من الانفجار الذي أصاب الناقلة اليابانية لم يكن هو إغراقها، بل إعطابها فقط حتى يكون ذلك درسا وتحذيرا للآخرين. والسؤال الآن هو: هل يصبح الحادث الذي تعرضت له الناقلة اليابانية بمثابة إعلان عن بداية حرب الناقلات التي تستعد لها إيران منذ سنوات؟

* كاتب وأكاديمي مصري مقيم في بريطانيا