الإفراج عن كتب غازي

TT

قبل أسبوعين طلبت من صديقي مطر الأحمدي في بيروت أن يبعث لي كتاب غازي القصيبي الجديد «الوزير المرافق»، لأنني واثق أنه سيمنع، كما منعت معظم كتبه الأخرى من أن تباع في سوقه السعودية. وجاءت المفاجأة السعيدة قبل أيام عندما أعلن زميله وصديقه الدكتور عبد العزيز خوجه عن رفع الحظر عن كل كتب غازي القصيبي لتباع وتقتنى في أسواق المملكة ومكتباتها. والوزير خوجه، الذي هو اليوم أكثر وزراء الإعلام شعبية عند إعلاميي السعودية، ستتضاعف - بسبب تطبيق هذا القرار - شعبيته، منهيا أكثر من عشرين عاما من الحظر على كتب واحد من أبرز أدباء السعودية ومفكريها، الذي خلق حراكا دائما بحواراته وخيالاته وقصصه وأشعاره.

وغازي يعرفه الجميع تقريبا، كان وزيرا لأربع وزارات وسفيرا لدى بلدين، وهو شخصية وطنية ضخمة، ومع هذا كانت كتبه تمنع ليضطر إلى نشرها في الخارج. والذي جعله لا يحتج علانية، فضلا عن منصبه الرسمي، أنه كان يدري أنها رغم الحظر ظلت من أكثر الكتب انتشارا داخل المملكة، التي تصلها عبر التهريب.

ولا يمكن لي إلا أن أقص حكاية غازي مع المنع عندما كان سفيرا في لندن. فقد زاره أحد المثقفين السعوديين المقيمين في بريطانيا ليقدم اعتراضه على حظر كتابه. ولأن السفير لا علاقة له بالمنع أو الفسح لم يشأ أن يبرر له، بل حاول أن يطيب خاطره قائلا: فعلا معك كل الحق أن تغضب عندما منعوا كتابك، لكن ما رأيك في واحد منعوا له عشرة كتب.. هو أنا! وخرج الأول يرثي لحال غازي.

ولنا جميعا أن نحتفي برفع المنع عن كتب غازي، الشاعر والروائي والمفكر، ونشكر صاحب القرار، بل لنا أن نحتفي بسياسة الانفتاح الإعلامية الحالية، التي سمحت للكثير أن يقال ويذاع ويكتب وينشر ويوزع. وقد ثبت أن الحظر لا يمنع من انتشار الفكر السيئ، بل العكس هو الصحيح. والحقيقة أن كل إنتاج غازي القصيبي لم يرد فيه ما يسيء أو يفتن، بل قدم للمكتبة العربية أعمالا فكرية راقية، حتى نقاشاته الخلافية مع الآخرين، صارت نموذجا يحتذى في أصول الجدل. أما المنع، ففي تصوري، كان نتيجة حملات التشويه ضد شخصه وفكره.

ولغازي نحو 20 كتابا ورواية، فضلا عن كم كبير من المشاركات الكتابية والمحاضرات وغيرها، مما دفعني ذات مرة أن أسأله كيف يمكن أن يوفق بين عمله المليء بالواجبات الاجتماعية والرسمية الكثيفة، وبين نشاطه الفكري والأدبي، فقال إنه يعيش نظاما صارما، فلا يخرج من بيته أو يشارك في المناسبات إلا ليلتين في الأسبوع، ويمضي البقية قراءة وكتابة.

أخيرا، عسى أن يقود الإفساح الاستثنائي لمؤلفات غازي إلى بقية الكتب الممنوعة. فالكتب، دون غيرها، من وسائل التثقيف، لا يتعاطاها سوى النخبة الفكرية، وعدد القراء في العالم العربي يبقى محدودا، وبالتالي فلا جدوى من الحظر ولا ضرر من الفسح.

[email protected]