في انتظار الخريف

TT

يبدو الأمر مثل لغز أو حسبة عويصة في العراق بالنسبة لتشكيل حكومة جديدة بعد 5 أشهر على الانتخابات، شهدت الكثير من المداولات وجلسات المباحثات بين الكتل السياسية المختلفة، وتدخلات، وتصريحات من دون بوادر تقدم أو مؤشرات انفراجة قريبة تترجم ما حدث في صناديق الاقتراع إلى واقع سياسي ينهي حالة الجمود الحالية.

وحسب التقارير الأخيرة، فإن الظاهر أنه يتعين الانتظار إلى الخريف المقبل أو ما بعده لرؤية ضوء في نهاية النفق، وحتى هذا غير مضمون، بما يمثل خطرا شديدا في ظل وضع أمني غير مستقر، وقد يتدهور بشدة في ظل غياب صورة سياسية واضحة.

الأميركيون يصرون من جانبهم على الالتزام بالجدول الزمني الذي وضعته إدارة أوباما لإنهاء المهمة القتالية لقواتهم في نهاية الشهر الحالي وخفض عدد القوات إلى حدود 50 ألفا، وهم لهم التزاماتهم الأخرى في أفغانستان، فضلا عن مشكلات الأزمة الاقتصادية وخفض نفقات حربين تكلفتا أموالا طائلة.

لكن على الجانب الآخر، فإن مرور نهاية الشهر، الموعد الزمني لإنهاء المهمة القتالية للقوات الأميركية، من دون وجود حكومة عراقية جديدة لها مشروعية وصلاحيات وخطة سياسية واضحة، يعني أن هناك مخاطر حقيقية بالدخول في حالة فراغ أمني وسياسي تقفز عليها قوى العنف والفوضى من جميع الأطراف ليكون الوضع كابوسا جديدا لا يعرف أحد مدى الضرر الذي سيلحقه بمستقبل العراق وبأمن المنطقة كلها.

والخطر الأكبر هو فقدان ثقة المواطن العراقي العادي في العملية السياسية كلها، وهناك علامات على ذلك، فالناخبون اقترعوا بكثافة في الانتخابات الماضية، وأعطوا أصواتهم لمن يتصورون أنه سيخدم مصلحتهم، وجاءت قائمة علاوي في المركز الأول بما أعطى مؤشرا على أن الناخب العادي صوت للاعتدال والبعد عن الطائفية بحكم تركيبة هذه القائمة، وبعد شهور طويلة وجد هذا الناخب أن صوته لم يحترم أو يترجم إلى واقع سياسي، فكيف يثق في العملية السياسية بعد ذلك؟

والخاسر من فقدان ثقة الناخب أو رجل الشارع العادي لن تكون كتلة سياسية أو تيارا معينا، بل جميع الكتل التي خاضت الانتخابات الأخيرة بقوائم وحصلت على أصوات تؤهلها لدخول البرلمان، وكذلك الوجوه الظاهرة على سطح العملية السياسية هناك، وسيكون لدى الناخب الحق في فقدان الثقة، لأن هؤلاء الزعماء لم يتمكنوا من الارتفاع إلى مستوى المسؤولية والنظر إلى مصلحة العراق قبل مصلحتهم، فهل يعقل أن يكون معظم أسباب الأزمة هو تمسك المالكي أو حزبه بأن يكون على رأس الحكومة المقبلة؟

هناك حديث كثير عن المحاصصة والطائفية، ومَن يتولى ماذا، وأي طائفة تستحق هذا المنصب أو ذلك، والتدخل الإيراني لفرض شخصية أو شخصيات معينة، وهناك حديث قليل عن برامج وخطط لتوفير وظائف للشباب العراقيين وتحسين الخدمات سواء كانت كهرباء أو صحة، وتطوير اقتصاد دولة نفطية غنية تعيش أوضاع دولة فقيرة.. فهذا هو دور الحكومات الأساسي وهذا هو ما يوفر الأمن الحقيقي.