فسح.. ومنع!

TT

في خطوة تأخرت كثيرا ولكنها جاءت أخيرا، صرح وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عبد العزيز خوجه بأنه تقرر السماح بعرض وبيع كافة كتب وزير العمل والشخصية السعودية المعروفة غازي القصيبي، بعد أن كان يقتنيها الكثيرون بالسر والتهريب من الخارج. الكتب التي تم الفسح عنها في هذه الخطوة تضامنا مع حالة الوزير الصحية، شفاه الله منها وأعاده سالما لمحبيه، في أغلبها يعرفها الكثيرون وتم قراءتها وتداولها، ولكنها خطوة رمزية وفي الاتجاه السليم، وكل الأمل أن تلحقها كتب السعوديين الأخرى التي لا تزال أسيرة الحجر والمنع، كتب من مؤلفات تركي الحمد وحسن المالكي وعبده خال ومحمد عبده يماني وعبد الرحمن منيف ومحمود تراوري وغيرهم.

لا تزال مسألة الرقابة الانتقائية أمرا يثير الغرابة؛ وخصوصا في ظل غموض معايير وأسباب المنع والفسح المليئة بـ«الرمادية» علما بأن السوق لا تزال عامرة بعشرات الكتب «الملغمة» بالفتاوى والآراء التي تفرق بين أبناء البلد الواحد وتثير الفتن والنعرات الجاهلية؛ وهي مسألة كثر الحديث عنها ولكنها تبقى قائمة بشكل يثير الاستغراب. وفي الوقت نفسه الذي هل على الناس خبر الفسح عن كتب غازي القصيبي جاء خبر أن الجهات الرسمية بالسعودية (والإمارات أيضا) ستقوم بوقف خدمة المراسلة والبريد الإلكتروني عن طريق جهاز «البلاك بيري» المعروف وذلك لدواع أمنية ولحماية المجتمع من أخطاره.

وهذا يذكرنا تماما بواقع قديم يتعلق بالسماح بالأطباق اللاقطة وأجهزة استقبال المحطات التلفزيونية الفضائية التي جاءت التحذيرات بشأنها وحظر استخدامها وبيعها حتى تحولت الآن إلى واقع يتعايش معه الناس. منع خدمة «البلاك بيري» سيوجد حتما سوقا سوداء بديلة لاختراق المنع الموجود، وخصوصا في ظل تطور التقنية الداعمة لذلك (وهي المسألة التي تحصل يوميا مع مستخدمي الإنترنت الذين يتمكنون من الاستعانة بوسائل تجعلهم يصلون للمواقع المحظورة على الشبكة).

في سورية منعت أجهزة الفاكس وحظر بعد ذلك الدخول على شبكة الإنترنت إلا في أضيق الحدود، وبعدها انتشرت الشبكة الإلكترونية بشكل هائل، وها هم اليوم في سورية «يقلدون» وظائف وتحميلات جهاز «الآي فون» المنتج من شركة «أبل» العملاقة! هناك خيوط رفيعة بين الحرية والفوضى والرقابة والتحكم؛ ومتى تجاوزت الواحدة الأخرى حصل الخلل المضر. لم يكن سرا أن «البلاك بيري» و«خادماته» الإلكترونية يعملان باستقلالية تامة عن الهيئات الرقابية والتشريعية المانحة للترخيص بالتشغيل، ولذلك يبدو اليوم رد الفعل غريبا لأن المعلومة كانت معروفة، فهي توضح لنا إما أن الخدمة قدمت من دون دراسة مسبقة وتخطيط سليم، أو أن المسائل الفنية لم يتم التأكد والتمعن فيها بالقدر الكافي.

حماية العامة من الآفات مسؤولية سيادية، ودور الدولة أساسي ومطلوب، ولكن الخلط بينها وبين القيود المبالغة هو أشبه بمن حرم بيع الكؤوس لأن الخمر يسكب فيها، وهذا انتقاص في فهم الحماية وجهل بمعنى الحرية.

[email protected]