طرش بعد عمى

TT

لا أحب كثيرا، أو قليلا، الكتابة عن كتابات الكتاب. سواء منهم من حمل قلما بالصدفة، ولا يزال. أو من حُمل قلما، بالشدة على المحمول، أو من كان عديم المواهب وبالتالي عديم كل شيء آخر. أو من كان كاتبا حقيقيا وكبيرا ونبيلا، يشرف القلم ويتشرف به، يرفعه ويرتفع به، يعلو ويعليه.

إذا كتبت وسميت، تساويت مع الذوات الخالية. وإذا لمحت ولم تسم، قد تلحق ظلما، وبعض الظن إثم. ويبقى أمامك حلان، إما أن لا تقرأ، وإما أن تقرأ وتدق رأسك بالجدار. وكم يؤلمني.

هناك كتاب كثيرون أحبهم وأبحث عنهم وأقرأهم وأتعلم منهم وأغبطهم. وغبط الناس غير الحسد. الحسد آفة تشبه الحشرات التي تنمو على أنبل الشجر، ووباء يضرب ضعاف النفوس، ومرض داخلي يمنع المصاب من النوم ومن الفرح ومن الرؤية. والعمى عن الرؤية الصحيحة آفة المبصرين.

وللكاتب حقوق كثيرة، استحقها ولم يعطها. أهمها حرية الرأي وحرية التعبير عنه. وأرى نفسي أحيانا مختلفا مع كتابي المفضلين، فأسأل نفسي أولا إن كنت أنا على خطأ. بل أتمنى ذلك. لكي لا أفقد العلاقة مع أناس يشكلون حيزا أساسيا من متعة الحياة ومعارفها ومشاعرها. وبعض الناس أقرأهم دوما، وباحترام، رغم معرفتي المسبقة بالخلاف الحاصل في الرأي والرؤية والموقف.

ثمة شيئان لا أحبهما للذين أحب وأحترم: الافتراء، وهو ليس من طباعهم. والغرور أو التكبر، وهو رذيلة مرذولة ومقيتة. لا يليق بالكبير أن يبدو صغيرا. هذا النوع من الكتابة خليق بذوي الأحجام الضئيلة. ويحملني على هذا القول الآن، أنني لاحظت حشرة الغرور الصغير تظهر على الأشجار النبيلة بغير داع. مرة نرى بيت الكاتب العزيز مليئا بالخدم، ومرة نراه طفلا بين يدي مربية لم توظف إلا لأنها كانت تعمل سابقا في قصر بكنغهام. ما هي الحاجة إلى مثل هذه الاستعراضات، حتى لو كانت صحيحة؟ ماذا تقدم؟ ماذا تضيف إلى سيرة كاتب يقرأه الناس، ليس بسبب المربيات والخدم، وإنما بسبب كلماته الجميلة؟

كان أحد الكتاب (بغير زمالة) يحكي مرة عن الفنادق التي ينزل فيها، أمام أحد كبار القوم. وأصغى الرجل الكبير، ثم أصغى، ثم أصغى. ثم راح يحدث الحاضرين بيوم كان يقترض 10 ريالات طوال الأسبوع ثمن حلوى يشتريها من الدكان. واستمر الكاتب بغير زمالة يحكي عن الفنادق التي استجدت عليه واستجد حتما عليها. فالغرور لا يؤدي فقط إلى العمى بل أيضا إلى الطرش.