يا ليتني كنت ابن «المهراجا»

TT

قالت العرب قديما: الأبناء مجبّنة مبخّلة. أي أن الإنسان عندما يرزق بأبناء يبدأ يخاف على حياته ويخاف على ماله. وهذا صحيح إلى حد ما، لهذا كان أكثر الشجعان وأكثر الكرماء هم دائما من الشباب «الهبل» الذين لم يتزوجوا بعد، وأعرف رجلا قبل أن يتزوج كان أكرم من «الذواري» - والذواري لمن لا يعرفها هي الرياح التي تدفع السحاب الملقحة بالمطر - ولكنه ما إن تزوج ورزقه الله بالأطفال، حتى تحول كرمه ليس إلى بخل ولكن إلى شح.

وأبخل بخلاء القرن العشرين دون منازع كان هو أغناهم على وجه الإطلاق، وهو المسمّى: رستم الدوران، وأرسطو الزمان، ومظفر الملك والممالك، فاتح ينج، نظام الدولة، نظام الملك، أصاف شاه، سلطان العلوم، سباه سالار الجرنال نواب السير المهراجا مير عثمان علي خان بهادور.

وكان يحكم في أوائل ثلاثينات القرن العشرين إقليما بالهند تساوي سعته الجزر البريطانية، ولديه مزارع أكبر من مساحة لبنان بمرّة ونصف، ورث من والده القصور والذهب والجواهر.

ظل والده الكريم ردحا من الزمن لم يرزق بأبناء إلى أن وُلد له من راقصة هندية ابن وحيد هو السيد «عثمان» الذي أصبح في ما بعد هو وارثه الوحيد.

وعندما توفي والده، أوصد القصور، وترك سيارات الرولز رويس مكبّلة في «الكراجات»، وأطقم موائد الذهب مخزنة في الأدراج، والجواهر محروسة في الحجرات، لا يخرجها إلا مرة واحدة في مطلع كل شهر لكي يغسلوها وينشروها أمامه ليمتع ناظريه بمشهدها، ويقال إنها كانت تغطي سطح قصره الفسيح وكأنها سجادات متعددة الألوان تخطف بلمعانها الأبصار.

كان يحكم ولاية «حيدر أباد» التي هي أكبر ولايات الهند وأغناها، وحسب المعاهدة بينه وبين التاج البريطاني، تضمن له السيادة في كل شيء ما عدا الشؤون الخارجية.

كان أتباعه بالملايين، ويفرض على كل من يزوره أن يقدم له هدية حتى لو كان ثمنها بضع روبيات بخسة، رغم أن ثروته في ذلك الوقت تفوق قيمتها ثروة «بل غيتس» في هذه الأيام حسب قوتها الشرائية، أي أنه باختصار كان أغنى رجل على وجه الأرض، ومع ذلك حسب ما وصفه المؤرخون كان طوال حياته لا يضع على رأسه غير عمامة واحدة قذرة، وثياب لا يرتديها حتى أفقر فقراء الهنود، ولم يكن لديه غير حذاءين، ويحلب بيديه الماعز ليشرب حليبها، وعندما ذهب إلى محطة القطار ليستقبل اللورد البريطاني والي الهند كان يتوكأ على عصا قديمة مشقوقة، فقال له الوالي: «إنها خطر عليك يا صاحب العظمة»، فرد عليه عثمان قائلا: «نعم، ويحسن أن أضع حول الشق طوقا». وقد فعل.

وقد ذكر أحد العاملين لديه أنه «كان لزاما علي أن أقدم تقريرا مستعجلا لعظمته، ولكنه كان نائما ولم اجترئ على إيقاظه»، فرد عليه الآخر قائلا: «لو أنك ضربت قطعة من النقود بأخرى لأيقظه ذلك على الفور».

ومثل أي كائن في هذه الحياة توفي «عثمان»، وورثه ابنان، وما هي إلا عدة سنوات حتى تبعثرت وتلاشت الأموال على البذخ والنساء وموائد القمار.

يا ليتني كنت الابن الثالث لذلك المهراجا.

[email protected]