«عائشة» الأفغانية..

TT

لعلنا سنضيف صورة «عائشة» إلى لائحة الوجوه التي رسخت في ذاكرتنا عن أفغانستان.

«عائشة»، الشابة الأفغانية ابنة الثمانية عشر عاما والمجذوعة الأنف والأذنين والشاخصة إلينا بعينيها المتسعتين تصدرت غلاف مجلة «تايم» الأسبوع الماضي. نالت عائشة هذا المصير المرعب بقرار قضائي طالباني لأنها هربت من عنف وسوء معاملة زوجها وأهله الذين نفذوا الحكم فيها ورموها معتقدين أنها ماتت. أتت صورة الشابة الأفغانية ضمن مجموعة صور أخرى لنساء أفغانيات، رياضية، وسياسية، وسجينة، ويتيمة، وتلك الناجية من انتحار. مجموعة من القصص التي تختصر جزءا من يوميات أفغانستان من وجهة نظر بعض نسائها اللواتي يعيش بلدهن ترديا مريرا. فالحضور العسكري الأميركي أثبت فشلا في أكثر من حالة، بل وغالبا ما سجل ارتكاب جرائم حرب جراء قصف المدنيين، ومن ناحية ثانية تتصاعد المخاوف من عودة الروح لحركة طالبان التي لم تتراجع عن أجندتها القديمة التي اعتمدتها حين كانت تسيطر على أفغانستان وتحاول اليوم بثها.

هل ننسى كيف عمد بعض عناصر طالبان إلى رش الأسيد على وجوه طالبات صغيرات في قندهار لأنهن ذاهبات إلى المدرسة؟!

أثار نشر مجلة «تايم» لصورة عائشة على غلاف عددها الأخير آراء متباينة، خصوصا في توقيته، فهذا التحقيق الوارد تحت عنوان «ماذا سيحدث إذا انسحبنا من أفغانستان»، يأتي بعد نشر عشرات آلاف الوثائق السرية عن الحرب الدائرة هناك وعن ارتكابات كثيرة أقدمت عليها القوات الأميركية من دون محاسبة أو تحقيق. فهل تساهم صورة «عائشة» في النقاش؟ هل تحث على الانسحاب الأميركي أم تحذر منه وتذكر بما ستلاقيه الأفغانيات والأفغانيون عموما من مصير إذا عادت حركة طالبان وتسلمت السلطة هناك؟

النقاش محق وجارح في كلا حديه، لكن قصة «عائشة» الظاهرة في وجهها وتسريبات استخباراتية كالتي سربها موقع «ويكيليكس» عن جرائم الحرب التي ارتكبت بحق مدنيين في أفغانستان هي ما يجعل الجدل حول الحرب في أفغانستان يستقيم على وقائع فعلية. «عائشة» تجسد نموذجا ليس وحيدا لما يعنيه أن تستعيد حركة طالبان زمام الأمر. ووثائق «ويكيليكس» تجسد معنى استمرار الوجود العسكري الأميركي والغربي في أفغانستان إذا بقي من دون أفق ومن دون ضوابط ومحاسبة.

الأكيد أن الوثائق التي تسربت من أرشيف الاستخبارات العسكرية الأميركية هي دليل دامغ على إخفاق أميركي في أفغانستان، لكن الملامح التي حملها عدد «التايم» الأخير يشكل نافذة حقيقية لمعنى القرارات التي يمكن لأصحاب القرار أن يعتمدوها بشأن مستقبل هذا البلد.. وفي كلا الحالين انكشف دور متعاظم للإعلام في تحديد اتجاهات النقاش. في حالة عائشة طرح الإعلام سؤالا قاسيا على العالم يتمثل في ما يمكن أن يحدث في حال عادت طالبان. وفي حالة الوثائق المسربة طرح الإعلام سؤالا من نوع آخر يتعلق بأخلاق الحرب وبجدوى استمرارها في بلد مثل أفغانستان.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام