عاشوا كأنهم ماتوا وماتوا كأنهم عاشوا!

TT

من باريس - هل فيما كتبت عن باريس أي وصف لجمال باريس؟ طبعا لا. فأنا لا أراها جميلة.. بل لا أراها. فأنا أركب السيارة وأراها نعشا على عجل، وأتجه إلى المستشفى وإلى قاعات الأشعة.. وإلى قاعات التحليلات الأخرى وفي الطريق إليها وفيها لا أرى أي شيء. ومن الممكن أن أكتب بدلا من باريس.. أكتب من زيمبابوي من دلهي من نوب طريف - وهي قرية ولدت فيها. إحدى قرى محافظة المنصورة!!

ضاعت حقيبة الكتب في المطار. لم أحاول البحث عنها. وإنما استولت السلبية على سلوكي.. نظرت إلى يدي فوجدت أنها خالية كثيرا من اللحم والشحم. نظرت إلى جسمي فقلت: أنا مثل غاندي ولكن ينقصني ماعز وقضية.

أما القضية فعندي، أما الماعز فمن الممكن أن يقوم كلبي بالدور المطلوب. وهو أن يقف على رجليه الخلفيتين ويقترب من الناس يتسول لحسابي.. وهززت رأسي كيف أن هذا لو حدث فلا أستغرب.. فكثير من الأدباء ماتوا متسولين. أستاذنا العقاد كتب خطابا موجعا يطلب مساعدة.. أي شيء أي مبلغ من المال.. والفيلسوف الأديب أبو حيان التوحيدي. وحتى لا أقلد هؤلاء فإن الموت بيدي أكبر من الموت بأيدي الآخرين!

الخطاب الذي كتبه العقاد في منتهى الهوان.. هانت نفسه عليه فهانت الدنيا.. هذه المرة لم يمد يدا وإنما مد قلما وكتب دموعا لونها أسود في لون العار..

وكذلك أبو حيان التوحيدي يقول كالعقاد إنه لم يعد يجد قوت يومه ويطلب من الأمير: أن يذله وأن يدوسه بالجزمة بشرط أن يطعمه..

وبكينا على أستاذنا العقاد وعلى أستاذ أساتذة الفلسفة والأدب أبو حيان التوحيدي. فالقلم ألم.. والألم موت بطيء!