إيران: احتدام الصراع على السلطة حول خامنئي وضد نجاد

TT

أسلوب التشكيك الذي تعتمده إسرائيل مع لبنان وبشكل خاص مع حزب الله الذي يعتمد بدوره أسلوب التهديد والتخويف، بدأت تعتمده الولايات المتحدة مع إيران. فما أن صرح رئيس الأركان المشتركة الأدميرال مايك مولن بأن هناك خطة أميركية عسكرية جاهزة لضرب إيران، لم ينتظر الإيرانيون لسماع بقية العبارة: «إن الضربة فكرة سيئة»، فجن جنونهم ولم يكتفوا بالتهديد: «سنذهب إلى الجبهة وسنضرم النار بتل أبيب» (لم يشيروا إلى مكان الجبهة وما إذا كانت لبنان)، بل هددوا بأن أمن المنطقة سيتعرض للخطر و «أن أمن الخليج للجميع أو لن ينعم به أحد!». وكأن النظام الإيراني سمح للخليج بأن ينعم بالأمن.

إن أميركا وإسرائيل في سياستهما تجاه إيران وحزب الله تعتمدان حاليا مبدأ: إياك التدخل وعدوك في طور الانتحار.

إذ مع تنامي الحصار صارت إيران تجد صعوبة في إيجاد شارين لنفطها، وصارت تخفض السعر للدول المستعدة للمجازفة.

في 27 من الشهر الماضي، اعترف عادل آزار مدير المركز الإيراني للإحصاءات بأن 40 مليون إيراني من أصل 70 مليونا يعيشون على، أو تحت، خط الفقر. وقال: «بسبب البطالة وارتفاع نسبة التضخم وعدم وجود محاسبة شفافة للتبذير، فإن نسبة كبيرة من الإيرانيين تقترب من العوز».

لا يتمتع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي بالشعبية التي تمتع بها آية الله الخميني؛ إذ في عام 1979 لفته أحد المحيطين به إلى أن التضخم جعل حياة الناس صعبة، فرد الخميني: «إننا نقاتل من أجل إقامة الجمهورية الإسلامية وليس من أجل تحديد سعر البطيخ».

هذا الرد لا يجرؤ عليه مسؤولو النظام الحالي، وقد لا يكون لديهم وقت بسبب الصراعات الداخلية، إذ بدأ النظام يشن حربا على نفسه، فقبل أسبوع أقال خامنئي أكثر من 250 ضابطا من «الحرس الثوري»، ويجري في الفترة الأخيرة تطهير مستمر لصفوف الحرس بسبب تخوف قسم كبير من هؤلاء مما ينتظر النظام.

وبدأت مواجهة غلاة المحافظين للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تخرج إلى العلن، بعدما كان الصراع داخليا منذ عام 2005 حتى العام الماضي، ولب الصراع حول من يكون الأقرب والأكثر تأثيرا على خامنئي.

في 22 يوليو (تموز) الماضي، وفي كلمة ألقاها أمام «أنصار حزب الله» (الإيراني) حذر المحرر السياسي في الصحيفة المحافظة «كيهان» مهدي محمدي من حركة جديدة يقودها أحمدي نجاد، «تدّعي أنها أكثر ثورية من المرشد الأعلى»، وتريد أن تؤلب مؤيدي حزب الله (يُعتبر حزب الله اللبناني امتدادا له) ضد المرشد الأعلى. وقال محمدي: «هذه الحركة تريد أن تبعد الكل عن المرشد، حتى إذا ما تم لها ذلك، تستطيع أن تقول إن الكل تقاعسوا، لذلك يجب أن تكون السلطة كلها بأيدينا، لأننا فزنا بأصوات 25 مليون إيراني». واستطرد محمدي إلى أبعد من ذلك عندما اتهم الحركة التي تقف وراء أحمدي نجاد بأنها «الطابور الثالث للفتنة»!

اللافت أن صحيفة «كيهان» كانت من أكثر المدافعين عن أحمدي نجاد، ثم إن تجمعات «أنصار حزب الله» كانت المكان التي يشن فيه الرئيس الإيراني حملاته ضد الإصلاحيين ويتهمهم بأنهم يريدون الفتنة، والأبرز أن «أنصار حزب الله» هم العمود الفقري لغلاة المحافظين ومن الأتباع المتشددين لآية الله مصباح يزدي. وما كان ممكنا التخيل أن يقف واحد بينهم وينتقد أحمدي نجاد ويتهمه ببث آيديولوجية الفتنة.

قد يكون هناك ما هو أبعد من قلق المتشددين من طموحات أحمدي نجاد الذي يريد أن يستأثر وحده بالتأثير على خامنئي، ذلك أن توترا أعمق بدأ يظهر بين الرئيس الإيراني ومرشده الديني الأكثر تشددا مصباح يزدي.

الأسبوع الماضي قدم محمد ناصر صاغي بيريا، مساعد مقرب من يزدي ومستشار الشؤون الدينية لأحمدي نجاد، استقالته، بسبب ما وافقت عليه الحكومة من أسلوب الثياب وقصات الشعر للرجال والنساء. أحمدي نجاد لم يقبل الاستقالة بعد. المهم في هذا، أن بيريا قدم استقالته بعد لقاء جمعه بيزدي مما يعني أن الأخير طلب منه أن يضع مسافة بينه وبين أحمدي نجاد.

وكان الذي أثار غلاة المحافظين، التحذير الذي أطلقه أحد حلفاء أحمدي نجاد، إسماعيل رحيم مشائي الذي قال: خلال سنة سنصل إلى مرحلة، حيث إن «أنصار حزب الله» سيعزلون الرئيس. هذا التحذير دفع المحرر السياسي في «كيهان» مهدي محمدي إلى طرح السؤال في التجمع: ما الذي يخطط له أحمدي نجاد وسيدفع حزب الله» إلى عزله؟

هذا الصراع المفتوح بين حلفاء الأمس، دفع خامنئي إلى إصدار فتوى غريبة (20 من الشهر الماضي) يعلن فيها أنه ممثل الإمام الغائب (المهدي) وبالتالي على الجميع طاعته. خامنئي في منصب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية منذ أكثر من عقدين، ولم يشعر في السابق بالحاجة إلى إصدار أي فتوى بهذا الشكل العلني، ليؤكد سلطته.

ويقول مراقب سياسي عربي إن إيران لم تكن مرتاحة أبدا للزيارة المشتركة التي قام بها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد. ويضيف أن سورية لإرضاء طهران تكرر أن المقاومة خط أحمر، ثم كانت كلمة وزير الخارجية السوري وليد المعلم، مباشرة بعد الزيارة التي وصفها الرئيس بشار الأسد بالناجحة، وفيها يحذر المعلم من أن المحكمة الدولية هي ضد استقرار لبنان.

يقول المراقب السياسي العربي: «أولا: علينا أن نفرق بين ما يقال علنا وما يقال في الجلسات المغلقة. ثانيا: أبلغت تركيا إيران وحزب الله أنها لن تسمح بتعريض السنّة لأي هجوم. ثالثا: كان اللافت الصمت السوري عندما دعمت الجامعة العربية المحادثات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين».

يدعو محدثي إلى مراقبة المواقف السورية التي لا بد أنها تتابع ما يجري من صراع على السلطة داخل إيران. أما بالنسبة إلى حزب الله في لبنان، فكان من عادة الرئيس السوري حافظ الأسد في الحرب اللبنانية أن يدعم حزبا ثم يعمل على قص أجنحته.

تصرفات دمشق ستكون البارومتر السياسي؛ فإذا ما شعرت بأن علاقاتها مع إيران وحزب الله استنفدت مفعولها، وأن تلك السفينة آيلة إلى الغرق، فإنها ستقفز منها، وإذا شعرت بأن إيران وحزب الله سيخرجان منتصرين تستمر دمشق في المناورة. وبكل الأحوال، فإن الخضات الأخيرة التي تتعرض لها إيران وحزب الله، سمحا للرئيس السوري بتقوية علاقاته مع الغرب وبقية الدول العربية باستثناء مصر، وسمحت له بمضاعفة نفوذه في لبنان. وبهذا تكون العلاقة التي بناها الأسد مع إيران في لبنان، استثمارا عادت كل أرباحه إلى دمشق حتى الآن!