لـ«طي» صفحات بريمر ـ المالكي

TT

قبل سقوط النظام العراقي السابق راودتني أفكار عن وجود توجه أميركي لإحداث تصادم بين الدول العربية وإيران، وتوسعة النفوذ الإيراني إلى العراق ولبنان وغيرهما، ليتحول الصراع إلى تصادم بين السنة والشيعة، عسى أن يكون ذلك مجديا للتصدي للمتشددين منهما. وبعد إسقاط النظام ازدادت هذه الشكوك، بسبب السياسات التي اتبعت، والتعامل الضعيف مع التدخلات الإيرانية. وقد عززت سياسة بريمر الشعور بالقلق من وجود مخطط أميركي يستهدف تهميش القوى الليبرالية في العراق، التي لا يمكن أن تقف إلى جانب إيران في أي تصادم مع الدول العربية. فما قام به بريمر - متعمدا أو بسذاجة سياسية - حرض على تعميق الانقسام الوطني.

ولعل من المفيد الإشارة إلى بعض الفقرات المثيرة والظالمة من كتاب بريمر «عام قضيته في العراق»، حيث يقول: «كان الاغتصاب من الأدوات الوحشية التي استخدمها صدام للسيطرة على الشعب، وفي كل مخفر للشرطة تقريبا، ثمة غرفة للاغتصاب، وكانت أكثرها انشغالا في أكاديمية الشرطة المركزية ببغداد». ويبدو هذا الاتهام المقزز غريبا إلى درجة مرعبة.

وفي فقرة أخرى يقول: «لكن هذه الخطط لم تأخذ في الحسبان واقع الحياة المرير بالنسبة للمجندين الشيعة الذين تحملوا حصص الإعاشة الاسبارطية، والأجر الرمزي، والاضطهاد الوحشي، والإعدام العشوائي على يد ضباطهم السنة في الغالب». وهذا وصف آخر لا يمكن لعراقي عاقل تصديقه. فالمجندون كانوا من الشيعة والسنة بلا تمييز. وفي زمن البعثيين منع الضباط من ضرب الجنود أو إهانتهم.

وفي مكان آخر من الكتاب يقول «لقد أصاب سوء التغذية في المقام الأول الأطفال الشيعة المحرومين». وهذا كلام آخر تدحضه برامج توزيع الحصص التموينية التي شملت كل العراقيين بالتساوي. وعندما نتناول هذه الفقرات فليس القصد الدفاع عن نظام عارضناه بقوة في حينه، بل للحد من تعميق مشاعر الانقسام الوطني.

أقوال بريمر وتصرفاته وانحيازه الواضح في اختيارات لقاءاته، وتباكيه على الشيعة، عوامل شجعت الطائفيين من السياسيين على ركوب الموجة، وتصعيد موجة العداء لكل ما كان قائما في العراق قبل يوم السقوط. ومن هنا ظهرت طبقة من الطائفيين لا تزال تتحدث بلا حياء عما تسميه الحقوق الطائفية السياسية. إلا أن ما قام به بريمر قد لا يمثل رأي جهات رسمية أميركية أخرى كالجيش والمخابرات.

وقبل أيام، خرج من يتبجح بأن «المالكي هو الشيعة والشيعة هم المالكي»، ثم تكرر ظهور سياسيين من كتلته يبررون ما يرونه من أن رئاسة الوزراء هي من حصة الشيعة وكأن الآخرين تبع لهم. ولم يظهر رد فعل مضاد من رئيس الكتلة. فالذي يريد أن يحكم العراق عليه أن يبرئ نفسه من الطائفية السياسية.

لكن الصورة لم تعد بريمرية، وفقدت أوكار نظام الفقيه الكثير من تأثيرها. والدليل على ذلك استعصاء تشكيل الحكومة. وهو استعصاء مهم لمواجهة انسيابية سياسية لمصلحة مشروع فئوي، ريثما تتوافر ظروف متوازنة.

وهنا، لا بد من الإشادة بتصدي الائتلاف الوطني لجموح المالكي في تجديد سلطة الفشل. فموقف كهذا يعزز جبهة وطنية تجاه السلوك الطائفي بصرف النظر عن الدوافع. وما كان السيد عمار الحكيم قادرا على قيادة موجة التصدي بشجاعة، لولا الموقف الصلب للصدريين والفضيلة والمجلس الأعلى وقوى الائتلاف الأخرى. وفي هذا دلالة على أن إيران فقدت كثيرا من نفوذها. فتلاقت إرادة شباب «العراقية» من الشيعة ورفاقهم الآخرين، مع قوى كانت حتى أمس موصوفة بما تستحق أفضل منه.

والمطلوب الآن من السيد مقتدى الصدر مرونة أكثر، توازي موقفه المتصدي لمحاولات ترسيخ ديكتاتورية أشد خطرا من غيرها. وأصبح تعميق التفاهم بين «العراقية» و«الائتلاف» و«ائتلاف القوى الكردستانية» قرارا حاسما. وقد يكون توزيع المناصب على الوجه التالي عادلا:

إياد علاوي رئيسا للوزراء (ش). وهمام حمودي من المجلس الأعلى رئيسا للبرلمان (ش)، وبقاء مجلس الرئاسة كما هو حاليا «الطالباني رئيسا (ك)، والهاشمي (س) وعبد المهدي (ش) نائبان». وإنصاف الصدريين وقوى الائتلاف بنسبة مميزة من الحقائب وتسمية أحدهم نائبا لرئيس الوزراء (بهاء الأعرجي مثلا). وبذلك تكون صبغة الشيعة الوطنيين مسيطرة من دون الحاجة إلى استحضار حجة المظلومية وصك المحاصصة. وإذا ما استمر الفشل، فلتتدخل الأمم المتحدة لتشكيل حكومة إنقاذ تحت الفصل السابع.