تشكيل الحكومة: الأكراد على مفترق الطريق

TT

سقوط النظام السابق عام 2003 ومجيء النظام «الديمقراطي» الجديد الذي ما زال حتى اليوم أسيرا لسياسات الأحزاب الشيعية، التي هيمنت بشكل كامل على المرافق الحيوية للبلاد، ربط مصيره بمصيرهم من خلال تحالفات واتفاقات صورية مزيفة، استطاعوا من خلالها استغلال الأكراد أسوأ استغلال؛ وصولا إلى أهدافهم وتحقيقا لغاياتهم في إخضاع العراق أرضا وشعبا لإرادتهم وقد تم لهم ذلك.

فبينما كان التحالف يدخل معهم في تحالفات «مقدسة» كما صرح بذلك أحد قادته، طمعا في إنهاء المشكلات «التاريخية» العالقة بين الأكراد والحكومة العراقية، كان «الأصدقاء» الشيعة منهمكين في تشكيل لجان فاشلة وغير ذات جدوى لمعالجة الأمر الذي لم يعالج أبدا.

هذه اللجان كانت خطة ذكية، لعبت أدوارا حيوية وفعالة في وقف الزحف الكردي الذي كان قويا بما فيه الكفاية - بداية تشكيل الدولة العراقية - لفرض شروطه على الدولة الناشئة، وكانت نتائجها سلبية للغاية في كثير من الجوانب؛ منها إبقاء الحالة «الكردية» على ما هي عليه لحين استرداد الدولة لعافيتها ولملمة أجزائها المتبعثرة، يعني تطبيق سياسة «يتمسكن حتى يتمكن» وكذلك ظهرت الأحزاب الشيعية أمام الشعب الكردي بمظهر الحريص على مصالحه! المتلهف لحل قضيته بطرق قانونية سليمة! وهي طريقة مبتكرة من الدجل السياسي لذر الرماد في عيون الأكراد وتنويمهم مغناطيسيا دون الانتباه إلى آثارها التآمرية.

فقد درجت العادة عند السياسيين الشيعة في العراق الجديد أنه كلما أرادوا أن يؤجلوا قضية ساخنة أو التخلص منها، عمدوا إلى تشكيل لجان، ولجان داخل لجان، ولجنة تجر أخرى وهكذا دواليك.. وقد نجحوا في ذلك نجاحا باهرا يستحق معه الإشادة بالعبقرية الشيعية العراقية ومن يقف وراءها! واستطاعوا أن يخدروا الأكراد لمدة سبع سنوات عن طريق لجان ميتة «لا تهش ولا تنش».

إن حالة التبعية العمياء التي انتهجها التحالف الكردستاني حيال الأحزاب الشيعية لم تنعكس سلبا على شعبيته التي تدنت بشكل ملحوظ داخل كردستان، إنما انعكست أيضا على القضية الكردية التي ما زالت تراوح مكانها وتبحث عن حل، وربما أحس قادة التحالف بالمرارة والغصة من سياسة الإخوة الغادرة وخداعهم المستمر، ونددوا بها في بعض الأوقات ولكنهم سرعان ما عادوا إلى حالتهم السابقة بمجرد أن ابتسم لهم أحد هؤلاء وذكرهم بالصداقة الغابرة والنضال المشترك!

لا بأس ونحن نعدد أخطاء قادة التحالف وضعف أدائهم في بغداد (وهم كذلك) أن نشير إلى الواقع السيئ الذي تعاملوا معه. فالمكونات السياسية في العراق تشكلت بصورة معقدة يصعب معها الوصول إلى حالة وطنية جامعة، فالائتلافات الشيعية دأبت على سياسة المراوغة والخداع، وهي تنطلق على هذا الأساس في تعاملها مع الأكراد، والأحزاب السنية أخذت تتبنى الفكر القومي «الشوفيني» ولا ترى إلا نفسها.. وإزاء هذه المعادلة السياسية القائمة، وفي ظل غياب الخط السياسي الثالث في الساحة العراقية، اضطر الأكراد أن يتعاملوا مع ما هو موجود في أرض الواقع، فكان لزاما عليهم أن ينخرطوا مع أحد الطرفين؛ إما الماكر المراوغ وإما العنصري البغيض الذي لا يعترف بحقوق الآخرين جملة وتفصيلا، فاختاروا أهون الشرين، وهم الأحزاب الشيعية.. فصدق عليهم قول القائل: العدو أمامكم والبحر وراءكم، فأين المفر!!

بطبيعة الحال لم تنبثق العلاقة بين الأحزاب الكردية والشيعية نتيجة الصداقة القديمة التي تربط زعماء الطرفين ببعضهم أيام المعارضة الوطنية والنضال المشترك الذي كثيرا ما يحلو للقادة الأكراد أن يتفاخروا به ويتحدثوا عنه في المناسبات. بل جاءت نتيجة الظروف السياسية التي أعقبت انهيار النظام البعثي، إذ كانت الساحة السياسية العراقية خالية من الأحزاب غير الشيعية التي شكلت الحكومة والبرلمان، فيما فضلت الأحزاب السنية الانسحاب من العملية السياسية وعدم المشاركة في حكومة «عميلة» يشرف عليها الاحتلال الأميركي!

هذه الحالة الموضوعية هي التي فرضت التحالف «الاستراتيجي» بين الكرد والشيعة، ولكن عندما ظهرت الأحزاب السنية في الساحة وشاركت في الانتخابات بقائمة واحدة هي «العراقية»، تبنت بعض أطرافها الفكر القومي العنصري ودعت إلى جملة من المفاهيم السياسية الشوفينية التي لا تتناسب مع حالة التنوع العرقي والطائفي في العراق، من هذه المفاهيم «القديمة، الجديدة»؛ أن العراق بلد عربي يجب أن يحكمه عرب!.. ولا توجد مناطق متنازع عليها بين الأكراد والحكومة العراقية.. وعدم الاعتراف بالفيدرالية لأنها خطة أميركية لتفتيت العراق!

فيما طالب بعض القادة المهمين داخل القائمة المذكورة بطرد القوات الكردية من مدينة الموصل وكركوك وديالى، مع أن أكثر من 40% من سكان الأكراد الموجودين في العراق منتشرون في هذه المناطق الحيوية التي كانت دائما وأبدا نقطة خلاف بين الأكراد والحكومات العراقية المتعاقبة.

وإذا كان التصريح الأخير لمسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان وأحد أبرز قادة التحالف، الذي أشار فيه إلى ضرورة إتاحة الفرصة أمام القائمة العراقية لتشكيل الحكومة، دعوة للقائمة إلى الاتفاق، فإنها من جهة أخرى تعبير عن حالة اليأس والتبرم من سياسة الأحزاب الشيعية المراوغة..

نصيحة متواضعة لبعض القادة في القائمة العراقية، ذوي التوجه الشوفيني، أن يكفوا عن إثارة مشاعر الناس بشعارات «عنصرية» استفزازية أثبتت أنها لم تجلب للعراق والمنطقة سوى البؤس والدمار، فالعراق يسع الجميع وهو للجميع، وليس لفئة أو طائفة معينة، وهو واحة تنبت فيها كل أنواع الأزهار وليست زهرة واحدة.. وإذا كنتم حريصين على وحدة العراق وسلامته، وعدم إمرار أي مشروع شيعي - إيراني على أرضه، وهذا احتمال وارد جدا بحسب قراءة الواقع، فلا تلوموا الأكراد، بل لوموا أنفسكم.. والسلام ختام.

* كاتب وصحافي كردي عراقي