أوباما يقدم لإيران فرصة للمشاركة

TT

أعاد الرئيس الأميركي باراك أوباما مسألة التفاوض مع إيران بقوة إلى الطاولة يوم الأربعاء في لقاء غير عادي بالبيت الأبيض مع الصحافيين. كانت رسالته مفادها أنه في الوقت الذي تضغط فيه عقوبات الأمم المتحدة على طهران، فإنه يترك «ممرا» مفتوحا للتوصل إلى تسوية سلمية للقضية النووية.

وقال أوباما: «من المهم للغاية طرح مجموعة من الخطوات أمام الإيرانيين، والتي نعتبرها كافية لإظهار أنهم لا يسعون إلى امتلاك أسلحة نووية». وأضاف: «عليهم أن يعلموا أنهم يستطيعون الموافقة». وكما هو الحال في الماضي، ترك أوباما الاحتمال مفتوحا بأن الولايات المتحدة ستقبل صفقة من شأنها السماح لإيران بالمحافظة على برنامجها النووي المدني ما دامت تقدم «تدابير تساعد على بناء الثقة» للتحقق من أنها لا تصنع قنبلة نووية.

كما شملت هذه الفرصة المجددة أمام إيران اقتراحا لعقد مباحثات حول أفغانستان. وقال أوباما إنه يفضل «مسارا مختلفا» لمناقشة هذه القضية، تكون للطرفين فيه «مصلحة متبادلة» في محاربة طالبان. وحث على أن إيران ينبغي أن تكون حاضرة في المباحثات الإقليمية بشأن الاستقرار كجزء من حملة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي «لإعادة الاندماج» مع طالبان. وقال: «يجب أن تكون إيران جزءا من ذلك، ومن الممكن أن تكون شريكا بناء».

لماذا يتحدث أوباما عن التعامل مع إيران في الوقت الذي يناقش فيه الكثير من المحللين المخاطر المتنامية لمواجهة عسكرية؟ يستشهد مسؤولون في الإدارة بعاملين: الأول، بدأت الآثار السيئة للعقوبات ضد إيران في الظهور، ما يجعل طهران من المحتمل أن تكون أكثر اهتماما بالحوار؛ والعامل الثاني هو أن تقارير استخباراتية أميركية تشير إلى أن الإيرانيين لديهم مشكلات فنية في برنامج تخصيب اليورانيوم، الأمر الذي يتيح مزيدا من الوقت للدبلوماسية.

واختار البيت الأبيض وسيلة غير عادية لإرسال إشارات إلى طهران. جرت دعوة مجموعة صغيرة من الصحافيين إلى لقاء غير عادي حول سياسة إيران مع أعضاء بارزين «بطاقم الأمن القومي». واتضح أن أوباما كان على رأس الحاضرين. وقال مسؤول في وقت لاحق إن الرئيس يخطط كثيرا لهذه الاجتماعات غير الرسمية والمرتجلة.

وحاول أوباما إشراك إيران من قبل، لكن لم يكن لديه الكثير ليقدمه لها. ففي العام الماضي، أرسل خطابين سريين يحثان على الحوار مع المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي. وساعد ذلك على جلب الإيرانيين إلى الطاولة في جنيف لمناقشة خطة لتخصيب اليورانيوم خارج حدود بلادهم. بيد أن خامنئي انسحب، على الرغم من أن الرئيس الإيراني المتشدد محمود أحمدي نجاد أيد الصفقة في بادئ الأمر. وقال أوباما إنه لم تكن لديه أي اتصالات مباشرة مع خامنئي أو أحمدي نجاد بشأن تجديد المحادثات، لكنه قال إن المسؤولين الإيرانيين قالوا إنهم يريدون العودة إلى مفاوضات جنيف مع مجموعة الدول العظمى، مجموعة «5+1»، ربما في سبتمبر (أيلول).

وتشكل شعور أوباما بأن الوقت الحالي مناسب للدبلوماسية بصورة جزئية بفعل ما وصفه بأنه «تذمر» من طهران يقول إن العقوبات أصبحت لها تأثيرات أكبر مما توقع الإيرانيون. وقال مسؤولون إن هذه الدلالات تشمل الإضراب الذي نظمه الشهر الماضي تجار البازارات في طهران، الذين يشعرون بعدم الرضا بشأن الاقتصاد المتدهور، وكذلك دلالات حديثة من خلال قنوات متعددة تقول إن الإيرانيين يريدون العودة إلى المفاوضات.

وقال مسؤول بارز تحدث إلى الصحافيين بعدما غادر أوباما الغرفة إن العقوبات أكثر فاعلية الآن لأن هناك «وسائل أفضل» لاستهداف الإيرانيين، «ومزيدا من التعاون» من جانب حلفاء الولايات المتحدة، ولأن الإيرانيين «أكثر عرضة للخطر». وأكد مسؤول بارز آخر على أن «العقوبات ليست غاية في حد ذاتها»، لكنها وسيلة للتأثير على تحليل التكاليف والفوائد في إيران.

وما اتضح في العرض المتفائل لأوباما هو وجهة نظر الإدارة بأن الولايات المتحدة وحلفاءها لديهم اليد العليا في جميع الكلام المنمق لطهران. وأحد الأسباب وراء هذه الثقة هو أن إيران على ما يبدو لديها مشكلات فنية خطيرة في عملية التخصيب، والسبب في ذلك هو سوء التصميمات وسوء الحظ والتخريب المتعمد. وقال مسؤول بارز إن 3800 جهاز طرد مركزي فقط تعمل في الفترة الحالية في «ناتانز» عند نحو 60 في المائة فقط من طاقتها الكاملة، مع وجود 4000 جهاز في الاحتياط للتعامل مع أي أعطال.

كما بدا مسؤولون أميركيون على ثقة متزايدة من أنه نظرا لانتكاسات إيران والرصد المشدد من جانب الاستخبارات، فسيكون من الصعب على طهران على مدار العام أو العامين المقبلين تحقيق أي «اختراق»، تعلن فيه أنها تمتلك قنبلة نووية، أو أنها توصلت إلى هذا الهدف بصورة سرية. واتضحت نقاط قوة أوباما يوم الأربعاء في تحليله الاستراتيجي وسيطرته على التفاصيل. وسيتساءل المتشككون في إسرائيل وفي كل مكان: هل ستخضع إيران سياستها النووية إلى تحليل التكاليف والفوائد؟ بيد أن أوباما، المتشكك هو الآخر في هذه المسألة، يقترح على الأقل وضعها على المحك.

* خدمة «واشنطن بوست»