تركيا: استفتاء دستوري.. أم تجديد للثقة؟

TT

خروج مجموعة من شبان حزب الشعب الجمهوري اليساري المعارض في مدينة طرابزون الشمالية لاستقبال زعيمهم الجديد كمال قليشدار أوغلو بالبيجامات تحت شعار «لا نوم حتى استرداد السلطة من (العدالة والتنمية)» يؤكد أن الاستفتاء المرتقب في 12 سبتمبر (أيلول) المقبل حول بعض التعديلات الدستورية قد خرج عن غايته، وتحول إلى استفتاء يتم خلاله تحديد مصير حكومة رجب طيب أردوغان التي تقود دفة الحكم منذ 8 أعوام تقريبا.

العدالة يعد للعب ورقة الانتقام من 12 سبتمبر 1980، بإعلان انتصاره في 12 سبتمبر 2010، من خلال إطلاق مجموعة من الإصلاحات الدستورية التي رفضت المحكمة الدستورية بعض موادها كونها تطال خطوطا حمراء داخل البلاد وبينها تركيبة المحكمة نفسها وبنية المؤسسات القضائية العليا. لكن المعارضة تخلت باكرا في حملاتها التي أطلقتها الأسبوع المنصرم عن مناقشة مسائل التعديلات إلى محاولة محاسبة الحكومة على سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، مركزة على رجب طيب أردوغان بالدرجة الأولى من خلال وضعه في فوهة المدفع محملة إياه مسؤولية الكثير من السياسات والقرارات الداخلية والخارجية التي ألحقت ضررا كبيرا بتركيا وعلاقاتها مع الكثيرين كما تقول. والمعارضة أيضا أعدت العدة لأيام صعبة من التنافس والسجال السياسي المنفتح على أكثر من احتمال، وهي لن تتردد في لعب أي ورقة تجد فرصة فيها للانقضاض على حكومة أردوغان، وبينها مسألة منظمة «أرغينيكون» السرية وعملية «المطرقة» اللتين كانتا تهدفان لإسقاط حكومة العدالة التي تتعرض لهجمات وضغوطات شديدة يوما بعد آخر بسبب مواقف وقرارات المحاكم وأجهزة القضاء مرة، التي تواجهها مقاومة شرسة من المؤسسة العسكرية نفسها كما شهدنا في اجتماعات مجلس الشورى العسكري الأعلى مرة أخرى.

كل هذا يجري وقيادة حزب السلم والديمقراطية الذي يمثل القواعد الشعبية الكردية في تركيا تقرأ كتاب الديمقراطية على طريقتها هي من خلال دعوة أنصارها وغالبية المجتمع التركي للتوجه إلى شواطئ البحار أو قصد الغابات وأماكن التنزه يوم الاستفتاء الموعود، بعدما اختارت مقاطعة صناديق الاقتراع بسبب رفض حكومة العدالة والتنمية إضافة أي إصلاحات دستورية لها علاقة مباشرة بالمسألة الكردية في تركيا. مما دفع برئيس بلدية ديار بكر عثمان بايدمير، في محاولة للرد على حكومة أردوغان التي أعلنت أن سكان جنوب شرقي تركيا سيصغون إلى صوت العقل والحكمة وسيذهبون إلى صناديق الاقتراع ويحترمون اللعبة الديمقراطية في البلاد، للتصعيد ولإقحام نفسه في مأزق سياسي وقانوني عندما قال قبل أيام إنه يريد أن يرى ألوان العلم الكردي ترفرف جنبا إلى جنب مع العلم التركي في جنوب شرقي تركيا.

آخر الذين دخلوا على خط النقاشات، وأسهموا بشكل أو بآخر في تسخين الأجواء أكثر مما هي ساخنة أصلا، كان فتح الله غولان الزعيم الديني المعروف، الذي دعا أنصاره لدعم الاستفتاء لأنه فرصة تاريخية لتوسيع رقعة الحوار والتغيير رغم كل المآخذ والمحدودية التي خرجت بها، وطالب الأتراك بقول نعم من دون أي تردد، مما أغضب رئيس حزب الحركة القومية اليميني المتشدد دولت بهشلي الذي دعاه للعودة من مكان إقامته القسري في الولايات المتحدة الأميركية والتصويت داخل تركيا بدل البقاء في الخارج.

استفتاء 12 سبتمبر المقبل تحول إلى استفتاء على حكومة العدالة والتنمية وسياساتها وأساليبها في الحكم والإدارة، لكنه تحول أيضا إلى امتحان لكفاءة رئيس المعارضة السياسية الجديد قليشدار أوغلو في تحمل مسؤولية السفينة التي ستنطلق خلال أشهر في بحر الانتخابات العامة وقدرته على مواجهة الأمواج والرياح وتوصيل الباخرة إلى شاطئ الأمان مسجلا انتصارا سياسيا على حزب العدالة الذي ما زال يتقدم بفارق كبير كما تقول استطلاعات الرأي في تركيا.

صباح يوم 13 سبتمبر المقبل سيكون نهارا جديدا في حياة تركيا والأتراك، الذين إما سيقولون نعم لحكومة أردوغان ولمواصلتها سياساتها وبرامجها وأسلوبها في الإدارة والحكم مستفيدة من أرقام ونتائج تعزز مواقعها وتدعمها في اندفاعها هذا، وإما أنهم سيلزمونها بالانصراف للتحضير إلى انتخابات العام المقبل البرلمانية، هذا إذا لم تقرر خوض انتخابات مبكرة - ستطالبها المعارضة بها من دون شك - تحاول أن تسترد من خلالها القوة والدعم الشعبي اللذين قد تكون فقدتهما في هذا الاستفتاء.