شعرة من جلد (الغزال) فايدة

TT

سكنت في أحد الفنادق في أميركا، وكانت إقامتي فيه (سمن على عسل)، يوم أصحو فيه بالنهار وأنام فيه بالليل، ويوم آخر أصحو فيه بالليل وأنام فيه بالنهار، وذلك لأنني بطبيعتي أكره (الروتين) في كل شيء، وفوق ذلك أنني كنت في إجازة اختيارية واضطرارية حققتها لنفسي وبنفسي دون حسيب أو رقيب إلا من الله تعالى.

ومما زاد متعتي أكثر أنه لم تكن هناك أي مشاغبات أو مصادمات، بل بالعكس كان الأمن مستتبا، والدنيا (Smooth)، و(الآشية معدن) مثلما يقول أحبابي أهل مصر.

غير أنه مما (عكّر) مزاجي قليلا أنه في آخر يوم عندما وقفت أمام (كاونتر) المحاسبة في الاستقبال لكي أدفع الحساب، وقدم لي الرجل المسؤول أوراق الحساب، وراجعتها فقرة فقرة، لفت نظري أن هناك مبلغ (ثلاثة دولارات)، كتبوا توضيحا لها: أنها مقابل أدوات كتابية.

فقلت للرجل: إنني لم أستخدم أية أدوات كتابية طوال إقامتي عندكم في الفندق، فلدي ولله الحمد أوراقي ومرسمتي التي لا تفارقني ولا أستطيع الاستغناء عنها أينما رحلت.

فقال لي بكل أدب: إنها الأوراق التي كتبنا عليها هذه (الفاتورة) التي أمامك.

عرفت بعدها أن هؤلاء الناس ليس هناك شاردة أو واردة إلا وأخذوا حسابها، ومن يومها إلى الآن أصبحت لا أكتب مقالاتي إلا وأجمع كل مقالتين في ورقة واحدة - أي أنني أكتب (ظهرا وقفا) من أجل التوفير، إلى درجة أن من أرسل لهم تلك المقالات في الجريدة أخذوا يضيقون من تصرفي هذا، وقبل أيام هاتفني أحدهم قائلا: هل لديك أزمة بالأوراق يا أستاذ؟! إننا مستعدون أن نرسل لك مجموعة منها. قلت له: كثر خيرك ولا حرمني الله من كرمك.

وفعلا تفاجأت بالأمس أنهم يبعثون لي بكرتون من ورق الفاكس الأبيض من النوع الممتاز من ماركة (Roco)، أخذتها وأنا أقول: «شعرة من جلد (الغزال) فايدة»، ومع ذلك ما زلت أكتب على ظهر وقفا.

***

من ضمن أسفاري التي سوف تنتهي حتما وقريبا، وذلك عندما أكون يوما ما على أعواد محمول، من ضمن تلك الأسفار التي هي كثيرا ما تضرب بالتيه على غير هدى، وكنت وقتها مجرد طالب (بوهيمي هيبي) كنت مسافرا ليلا في الشتاء بالقطار وبالدرجة الثانية من ميلانو إلى فلورنسا، وقد غلبني وقتها النعاس + التعب + قرقعة القطار، فغطست بنوم عميق وكأنني حقا قد انتقلت إلى العالم الآخر، ولم أفطن أو أفيق على حالي إلا و(كمساري) القطار يركل بقدمه على قدمي لكي يوقظني، نهضت مرتبكا وسحبت حقيبتي الثقيلة من الأعلى التي سقطت على كتفي وكادت توقعني بالأرض. وخرجت من المحطة وذهبت إلى أقرب (بنسيون)، وفي الغرفة الصغيرة التي أشبه ما تكون بالزنزانة، أخذت أخلع ملابسي، وأنا أنظر إلى السرير بشوق من شدة النعاس لكي أرتمي في أحضانه، تماما كما لو كنت في شوق لملكة جمال العالم لكي أصافحها وأربت كتفها بكل احترام وتبجيل، وإذا بي أجد في جيب معطفي صورة ملونة لي، وأنا (فاغر) فمي - أي فاتحا فمي على الآخر -

ويبدو أن الرجل الذي كان جالسا بمواجهتي كان معه كاميرا تصوير (بلو رايد) من التي تظهر الصور في وقتها، وقبل أن ينزل في محطته أعجبه منظري المشوه، فالتقط لي الصورة ثم دسها في جيبي.

وما زالت الصورة في حوزتي، وكلما أردت أن أفجع أنثى أريتها تلك الصورة.

[email protected]