ضغوط في الاتجاه الصحيح

TT

مرة اخرى، تثبت الاحداث ان واشنطن اذا أصرّت على توجه معين فانها تستطيع فرضه، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع اسرائيل. تحت هذا العنوان العريض يصح ادراج قرار حكومة ارييل شارون بتعليق العمليات العسكرية ضد الانتفاضة الفلسطينية والانسحاب من مناطق السلطة التي احتلتها، قبل ايام معدودة، في محيط مدينتي جنين واريحا.

واذا كان هذا التطور يندرج ايضا في خانة تجييش الطاقات الاوروبية والشرق اوسطية لمحاربة الارهاب الدولي، فانه يوحي، ولو تلميحا، بان محاربة هذا الارهاب لا تنفصل، في النهاية، عن ايجاد تسوية سياسية للنزاعات الاقليمية التي تشكل بؤر توتر مفتوحة على كل الاحتمالات. على هذه الخلفية بالذات تأخذ الضغوط الاميركية على شارون أهميتها السياسية، خصوصا ان توقيتها يتزامن مع تطورين بارزين: اولهما حث وزير الخارجية الاميركي، كولن باول، كلا من اسرائيل والفلسطينيين، على ان يستغلا هذا التطور المشجع لعقد المزيد من الاجتماعات بينهما، وثانيهما تسريب مسؤولين اميركيين لنبأ إثارة الحكومات العربية، تكرارا، لقضية سلام الشرق الاوسط في سياق مناقشة واشنطن معها موضوع التحالف الدولي المقترح ضد الارهاب، الامر الذي اكده علنا أول من أمس المتحدث باسم الخارجية الاميركية، ريتشارد باوتشر. من الطبيعي ان تبدّل احداث 11سبتمبر (أيلول) المأساوية الاولويات الاميركية، واستطرادا الاولويات الدولية. فمن جهة، تحتاج ادارة الرئيس جورج بوش، التي احجمت حتى الامس عن التدخل بقوة في النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، الى عودة الاستقرار الى المنطقة باسرع وقت ممكن كي لا يتحول نزاع الشرق الاوسط الى عائق في وجه التحالف المطلوب ضد الارهاب، ومن جهة ثانية تحتاج الانتفاضة الفلسطينية نفسها الى اعادة تأكيد هويتها كحركة استقلالية مشروعة والى قطع الطريق على محاولات اسرائيل زجها في خانة «الارهابيين» وتأليب الرأي العام الاميركي عليها تهربا من استحقاق السلام المنصف. قد يكون تقاطع المصالح الاميركية والعربية، في هذه الظروف الدقيقة دوليا وإقليميا، فرصة لا تفوت لكل من الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية، وبالتالي اسرائيل، للعودة الى لغة المنطق في التعامل مع قضية السلام في الشرق الأوسط.

وغني عن التذكير بأن الخطوة الاولى في رحلة سلام «الالف ميل» لا تزال اقتراحا دوليا يحظى بمباركة اميركية علنية، اي تقرير لجنة ميتشل الذي قد يحتاج البدء بتطبيقه الى ضغط أميركي آخر على اسرائيل... في مستوى الضغط الذي مارسته أخيرا على شارون.