لماذا بينهم جواسيس؟

TT

وصلت قضية التجسس في لبنان لمرحلة خطرة، وقد تكون مرشحة للأسوأ، خصوصاً بعد إيقاف قيادي بالتيار الوطني الحر، ومقرب لزعيم التيار، وهو العميد فايز كرم، بتهمة التجسس لإسرائيل، مما دفع عون للقول بأن «ثلاثة من رسل السيد المسيح سقطوا في الخيانة»، فهل هذا التبرير يكفي؟ لا أعتقد!

ففي الأسبوع الماضي شكا زعيم حزب الله قائلا: «قديش بقى جواسيس في هذا البلد؟».

والأمر ليس قاصراً على لبنان، ففي غزة قامت حماس بحملة إعلامية ضخمة للتوعية ضد الجواسيس، وتعهدت لمن يسلمون أنفسهم في مدة محددة بالعفو. فما معنى كل ذلك؟ أولا يستحق الأمر دراسة بعيدة عن العاطفة لمعرفة الأسباب التي تدفع المرء إلى أن يبيع نفسه، ووطنه، لإسرائيل التي تعلمنا عداوتها منذ نعومة أظافرنا؟

أحد الإعلاميين اللبنانيين علق مستغرباً على توقيف العميد فايز كرم بقناة «العربية» بالقول: «إن الغريب في حالة كرم أنه ليس من طبقة معدمة، بل يحظى بمكانة ودور، فكيف يكون جاسوساً إسرائيلياً، إن ثبتت عليه التهمة؟». وهذا صحيح، لكن هناك تصريحاً مهماً لعضو كتلة الكتائب إيلي ماروني يستحق التأمل، إذ يقول: «العملاء ليسوا فقط أولئك المتعاملين مع إسرائيل، بل أيضاً الذين يقتلون ويخربون في البلد، أو الذين ينتمون إلى أي دولة أخرى، سواء شقيقة أو غير شقيقة، وإذا كانت النظرة شاملة للعمالة فنحن مع إعدام العملاء حتى لا يبقى في لبنان إلا اللبناني الصرف».

وهذا لب الحديث، فكثرة الجواسيس، وعلى مستويات كبيرة، يعني أنهم قد فقدوا الإيمان بقضيتهم، ووطنهم، وبقياداتهم السياسية، مما دفعهم للتعاون حتى مع الشيطان، ما دام الساسة يبيعون أنفسهم علانية لمن يشتري، مرة باسم الطائفة، وأخرى باسم العروبة، وخلافه، وكله على حساب الوطن.

والأمر الآخر أن البعض، في غزة أو لبنان، عندما يجد أن حياته، ومستقبل أبنائه، في مهب الريح، نظراً لوجود ساسة انتهازيين، فإنه يفقد توازنه، وتختل لديه المنظومة الأخلاقية. وإذا ما نظرنا إلى حال كرم، مثلا، في حال ثبتت عمالته لإسرائيل، ومنذ الثمانينات، كما يقال، فإن الدافع واضح؛ حيث أن الحرب الأهلية والتحالفات الإقليمية وقتها، قد سحقت قوى وصعدت بقوى أخرى، وبالتالي فمن شأن ذلك أن يكون قد دفعه، أو غيره، للتعاون حتى مع الشيطان لضمان البقاء، للأسف، خصوصاً عندما بات لكل فرقة في لبنان طائفة، ودولة تحميها، والأمر نفسه في غزة، ففوق ضيم وذل المحتل هناك انقلاب حماس، والفرق الأصولية المتشددة، وهناك يد إيران، ولا أمل في الغد.

المهم هنا هو هل يقف مسلسل فضائح الجاسوسية والعمالة عند هذا الحد في لبنان أو في غزة، أم أننا سنكتشف غداً شخصيات أكبر، وأثقل وزناً؟ الله أعلم، بالطبع.. فمن يعلم؟ فقد نكتشف داخل حزب الله نفسه جاسوساً لإسرائيل مثلما حدث لتيار عون، خصوصاً أن عملية اغتيال عماد مغنية تشي بذلك. وبالنسبة لحماس هناك عملية اغتيال المبحوح!

ولا نقول إلا إن القادم أسوأ، ما دام هذا هو حال منطقتنا.

[email protected]