زكام وحماقة

TT

إنني في هذه الأيام (شبه) إن لم أكن معتزلا اعتزالا كاملا (المجتمع بخيره وشره، برجاله ونسائه وأطفاله وحتى حيواناته)، لأن الزكام معي (عامل عمايله) إلى درجة أنني حورت بيت شعر الخيام الذي يقول فيه «أولى بهذا القلب أن يخفقا» إلى: «أولى بهذا الأنف أن يقطعا».

والأنف الذي أعنيه هو أنفي الذي كلما رأيته بالمرآة تذكرت قارورة (الكاتشب أو التباسكو).. غير أن ما يعزيني هو أنني أعطس (على كيفي)، لا أحد يسمع صوتي ولا أسمع صوت أحد، وأنا من البشر الذين إذا مرض الواحد منهم اعتزل الناس جميعا، وأخذ يُطبب نفسه بنفسه إلى أن يخرج من عنق الزجاجة، وبعدها يبدأ في مخالطة الناس، واقتراف (الآثام) من أول وجديد.

وبينما كنت في هذا الوضع المتأزم الذي يحاذر فيه حتى أهل بيتي مخاطبتي أو الاقتراب مني، إذا بأحد أقربائي يقطع علي خلوتي، ويخترق الحجر الصحي الذي فرضته على نفسي، محاولا على حد زعمه أن يخفف علي ويشد من أزري، وهو لا يعلم مقدار الحنق الذي يعتمل في صدري تجاهه، وأقسم بالله لو أنه كان بإمكاني في تلك اللحظة أن آكله، لما ترددت إطلاقا في فصفصة عظامه، وبدلا من أن يجلس هو بعيدا عني ويخرس، إذا به يخاطبني وكأنني طفل صغير يريد أن يلعب بعقله ويعطيه حلاوة فقال:

«لو أنك احتفظت في قلبك بغصن أخضر، فتأكد أن العصفورة المغردة سوف تحط عليه».

فنظرت له بعين يقدح منها الشرر وقلت له: لقد احتفظت في قلبي بشجرة خضراء كاملة، ولم تحط عليها غير (بومة) ناعقة.

ثم أردفت قائلا: يا ليتك الآن تغرب عن وجهي. وعندما لاحظت أنه لم يستوعب جملتي تلك، قلت له بكل جلافة سوقية وأنا أشير للباب: (طس) واقلب لي وجهك.

ويبدو أنه امتعض من رد فعلي، فوقف وقبل أن يغادر قال لي: «كنت أعرف من زمان أن لديك شيئا من الحماقة، لكنني لم أتصور أنها تصل إلى هذا الحد».

فعاجلته قائلا: لا وانت الصادق إنها أكثر بكثير، فلكل إنسان يا سيدي حماقاته وأخطاؤه، ولو قدر لي أن أبدأ حياتي من جديد، فثق تماما أنني سوف أكرر تلك الحماقات والأخطاء، بل ولارتكبتها في وقت مبكر.

وقبل أن يخرج من الباب التفت نحوي قائلا: «أعوذ بالله منك، أنا غلطان، الحق علي أنني أتيت لكي أطمئن عليك».

فقلت له: أرجوك أغلق الباب خلفك بكل هدوء.

وبعدها تناولت منديلا وعصبته على رأسي.... وآآآآآآه يا رأسي.

[email protected]