عزيز يريد بقاء الأميركيين!

TT

لا بد أن طارق عزيز، أشهر رجال صدام، صدم الكثيرين في مقابلته الصحافية مع الـ«غارديان»، عندما دعا الرئيس باراك أوباما إلى الإبقاء على القوات الأميركية. طلب غريب من رجل يقبع في السجن منذ سبع سنوات وأربعة أشهر، بسبب القوات نفسها التي أسقطت نظام صدام، وكان عزيز فيه نائب رئيس وزراء، ووزير خارجية، ومستشارا خاصا.

لاحظنا أنه لم يطلب لنفسه شخصيا، مثل أن ينقل رسالة بإطلاق سراحه، أو أن يحصل على استثناءات داخل السجن، بل كان رجاؤه الوحيد أن لا ينسحب الأميركيون من العراق. فهل جن الرجل، أم أنه يعيش بعيدا عن الواقع لما وراء أسوار السجن؟ هل يعقل من بعثي متمرس، ومهزوم في الحرب، وضحية مباشرة للغزو أن يحث على بقاء أعدائه؟

لنتذكر أن أمل طارق عزيز بالخروج ضعيف جدا إن لم يكن مستحيلا، في عمره وصحته المتردية جدا وعقوبته الطويلة، 15 عاما، ومحاكماته الأخرى مستمرة حتى اليوم. وبالتالي ما يقوله ليس حلا لمشكلته الشخصية خاصة. فالأميركيون لم يعودوا مسؤولين عن سجنه، حيث سلموه للسلطات العراقية، التي يستبعد أن تعجب بآرائه هذه، وسيكون محظوظا إن لم يقطعوا عنه مكيف الهواء في مناخ الصيف الخانق، أو يخفضوا عدد وجباته اليومية، أو يمنعوه من المشي في الحديقة، عقابا على ما قاله للصحيفة. فهو اليوم سجين النظام العراقي الجديد.

والوزير السجين ليس مجنونا، ولا بعيدا عن الواقع، فهو يتفرج على العالم، مثلنا جميعا، عبر شاشة التلفزيون، يعرف منها تفاصيل العراق. ولا بد أنه يدرك طبيعة الانشقاقات الداخلية والخارجية، ويعرف مخاطر الفراغ السياسي الآتي، ويعلم أن الانسحاب الأميركي حالة هروب، مما يجعله يريد منهم تحمل المسؤولية.

على أي حال، العالم في العراق يبدو مقلوبا، فالذين كانوا ينددون بالاحتلال في السابق هم من يطالبون باستمراره!

ومن المستبعد أن ينصت إليه الرئيس أوباما؛ لأنه بنى شعاره الانتخابي السابق والمقبل على الانسحاب وتقليل الخسائر، لا المزيد من التورط.

ومن قرأ حديث عزيز أشفق عليه، فهذا الرجل كان شخصية لامعة، وكان وجها حضاريا لنظام قبيح، وكان رجلا مفوها، وكان يعرف العالم على حقيقته أكثر من رئيسه صدام، الذي كان جاهلا ومتعجرفا وقاتلا محترفا، لا يبالي إلا ببقائه بأي ثمن وكرامته الشخصية لا تمس. أما وزير خارجيته عزيز، وهو منصبه الأشهر من منصبه الآخر كنائب رئيس وزراء، فقد كان يدافع دائما عن قضايا خاسرة، وقد نجح كثيرا وطويلا في اللعب كمحام عن سياسة خرقاء. وهو، كما قال، حذر رئيسه من تبعات غزو الكويت، لكن الرئيس قرر، وبالتالي كانت وظيفته الدفاع عن قرار أخرق آخر.

طارق عزيز مدرس اللغة الإنجليزية للمرحلة الثانوية، تدرج إلى صحافي ومسؤول إعلامي ووزير الخارجية، وكان يعلم منذ البداية أنه يخدم قائدا يقود البلاد من هاوية إلى أخرى، وما التشدق باسم الكرامة إلا عذر يغطي به صدام أخطاءه المتكررة التي نعيش إلى اليوم تبعاتها الخطيرة على المنطقة، لا على نظام صدام وحده.

[email protected]