«الفتنة المعلن عنها سلفا» في لبنان؟!

TT

لا شك في أن زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري للبنان ألقت ماء باردا على الأزمة التي كانت نبرتها تتصاعد، إثر تهديدات أمين عام حزب الله الأخيرة واتهامه المحكمة الدولية بأنها أداة إسرائيلية - أميركية ورفضه سلفا أي قرار ظني يصدر عنها. ولكن هل أطفأت هذه الزيارة الجمر المشتعل تحت الرماد؟

أم أنها جمدت الأزمة وأرجأت انفجارها إلى الخريف المقبل أو إلى السنة المقبلة.. أم إلى أن يصدر القرار الاتهامي الظني، وينتهي التحقيق المستمر منذ خمس سنوات ونيف؟

إلا أنه يبقى لهذه الزيارة السعودية - السورية المشتركة مدلولها وأبعادها التي لا بد من التوقف عندها. فبالنسبة للمملكة العربية السعودية تدخل هذه الزيارة في نطاق الاستراتيجية السعودية الجديدة التي من أهدافها القومية ثلاثة:

1) العمل على مصالحة الدول العربية.

2) توحيد الصف الفلسطيني والعربي والإسلامي حول القضية الفلسطينية والمبادرة العربية للسلام.

3) دعم استقلال لبنان ووحدة شعبه الوطنية والاستقرار فيه.

ومن البديهي القول بأن مشاركة الرئيس السوري في الزيارة تدل على موافقته على المساعي السعودية لتبريد الجو السياسي في لبنان، الذي «سخنه» الفريق «المحسوب» على سورية. ولكن الأمور مرهونة بخواتيمها، كما يقال، ومحك نتائج هذه الزيارة هو في الأيام والأسابيع أو الأشهر المقبلة وعند صدور القرار الظني أيا كان مضمونه.

المشكلة الحقيقية ليست في المحكمة الدولية ولا فيما قيل ويقال وسيقال عن تسييسها وتحولها إلى أداة للضغط على سورية أو على حزب الله. مع العلم أن التحقيق لم يختم ولم يصدر أي قرار ظني، بل بالعكس، صدر عن المحكمة قرار إخلاء سبيل الضباط اللبنانيين الأربعة الذين كان محقق سابق قد أمر بتوقيفهم رهن التحقيق. وهو قرار رحب به الفريق الذي يشن، اليوم، حملة على المحكمة ويتهمها بالعمالة للولايات المتحدة ولإسرائيل. بل المشكلة هي في أن إسرائيل لن تترك لبنان مرتاحا ما دام أن هناك في يد حزب الله أسلحة صاروخية مهددة لها. والمشكلة هي، أيضا، في النزاع الإيراني - الإسرائيلي والمماحكة بين إيران والمجتمع الدولي حول المشاريع النووية الإيرانية. وكلاهما ينعكس على لبنان ويحول دون تجاوز انقسام 14 و8 آذار الوطني، ويمنع قيام الدولة اللبنانية القادرة على بسط سلطتها على كل أراضيها، ورسوخ الاستقرار في هذا العالم العربي الصغير. ولذلك فإن محتويات القرار الظني، أيا كانت، لن تؤثر في العمق على الأوضاع السياسية في لبنان، بمقدار ما يؤثر عليها مآل عملية السلام في المنطقة ومخططات إيران الشرق أوسطية، واستراتيجية الحكم السوري في المنطقة، وفي لبنان خاصة.

ويبقى السؤال عما يتوجب على الحكم اللبناني - وعلى الرئيس الحريري خاصة - أن يفعله، بعد هذه الزيارة، قبل صدور القرار الظني، وبعد صدوره، إذا جاء مدينا لبعض عناصر حزب الله، أو مبرئا لهم وللحزب؟

آخر ما يستطيعه الرئيس الحريري هو أن يطلب «إلغاء» المحكمة الدولية، كما طالبه البعض. ولسبب بسيط ألا وهو أن قرار إنشاء المحكمة صدر عن مجلس الأمن وليس عن الحكومة اللبنانية. والقضاء الدولي لا يخضع لمنطق التسويات على الطريقة اللبنانية أو منطق المصالحات العشائرية. والموقف الوحيد الذي يمكنه اتخاذه هو انتظار صدور القرار والقول بقبول نتائجه، أيا كانت، والرجوع إلى المحكمة التي قد تستمر مناقشة القرار أمامها أشهرا بل ربما سنوات. وقد تدين أو لا تدين المظنون بهم في القرار. فالقرار الظني لا يعني الإدانة، بل حكم المحكمة هو الأساس، وبيننا وبينه سنوات. فهل يجوز أن يعيش اللبنانيون في حالة توتر وقلق عدة سنوات أخرى؟

من المرجح أن لا يستمر حزب الله والأطراف السياسية اللبنانية المحسوبة على سورية في تصعيد حملتها على المحكمة الدولية، انسجاما مع «أجواء» المساعي السعودية - السورية المشتركة لدعم الاستقرار في لبنان. وإلا فإن المعادلة السياسية الجديدة في لبنان، بعد اليوم، ستصبح: إما المحكمة وإما الاستقرار. يرافقها معادلة أخرى إسرائيلية - أميركية، وهي: إما عدوان إسرائيلي وإما نزع سلاح حزب الله. ولا أحد يعرف أيا من المعادلتين سوف تفجر الأخرى؟

إن الحرب الأهلية التي كادت تحطم لبنان في السبعينات والثمانينات، لم تطو كل صفحاتها عام 1990، مع اتفاق الطائف ولا مع الانسحاب السوري من لبنان عام 2005، ولا مع اتفاق الدوحة عام 2009. وفي انتظار تفجير الملفات الشرق أوسطية الساخنة، أو حدوث تحولات سلمية مفاجئة، لن يكتب للبنان، لسوء الحظ، ما يتمناه اللبنانيون لأنفسهم وما يتمناه إخوانه العرب له، وما سعت وتسعى إليه المملكة العربية السعودية في مساعدته على حل مشكلاته. وما ستسعى إلى تداركه وتجنيب لبنان الوقوع فيه، أي تجنب «الفتنة المعلن عنها»، والعيش في سلام وأمن وطمأنينة.