حرق إسرائيل بالنار

TT

في أبريل (نيسان) عام 1990، أطلق الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين تهديدا بحرق نصف إسرائيل، حيث قال بلهجته المميزة: «والله لنخلي النار تاكل نص إسرائيل».

في الأسبوع الماضي من عامنا هذا 2010، هدد مندوب جمهورية إيران الإسلامية لدى الأمم المتحدة محمد خزاعي بأن إيران «ستحرق تل أبيب».

لا أعرف لماذا يرتبط تهديد إسرائيل بلغة ساستنا العرب والمسلمين بالنار تحديدا، خصوصا خلال العقود الثلاثة الماضية من الصراع، ويذكر أن إغراق اليهود «ورميهم بالبحر» كان التهديد الأكثر انتشارا في العقود الثلاثة الأولى منه. وانتقلنا من القضاء على إسرائيل بالماء، إلى حرقها بالنار: سلاحان متناقضان في الصراع مع إسرائيل.

لكن السؤال الذي يحتاج إلى تحليل لغوي ونفسي هو في سبب اختيار النار تحديدا للقضاء على إسرائيل وإزالتها من الوجود. ولمحاولة تفسير ذلك طرحت الأفكار التالية نفسها.

لعلنا نهدد بحرق إسرائيل لأن في ذلك وقعا نفسيا شديدا على اليهود، فالحرق والنار مرتبطان في العقل الباطن اليهودي بالمحرقة النازية الشهيرة بالهولوكوست، وأصلها من اللغة الإغريقية من كلمتي هولو بمعنى كل وكوست تعني الحريق، وترجمة الكلمة هي «المحرقة الجماعية». وقد خلد اليهود الهولوكوست التي يقولون إن هتلر قتل فيها ستة ملايين يهودي، ويقول البعض إن الرقم مبالغ فيه بعض الشيء، بينما ينكر النازيون والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حدوث المحرقة أصلا.

رعب وهلع شديدان يرتبطان بالنار والحريق في عقلية اليهود، حتى إنهم أنشأوا متاحف لتخليد الحدث الرهيب في واشنطن وفي إسرائيل، بل وبلغ بهم الهلع منع حتى التشكيك في الهولوكوست في فرنسا بقوة القانون.

والحق أن هذا الخوف الشديد من الحريق ليس حصرا على اليهود، فالتهديد بالنار لحرق إسرائيل قد يكون انعكاسا لخوفنا نحن منها، فالعرب والمسلمون - عموما - مؤمنون بالله وباليوم الآخر، والتعذيب الإلهي بالنار هو قمة العذاب ومنتهى العقاب في اليوم الآخر، وجهنم اسم يرتبط في عقلنا الباطن بالنار والحرق والعذاب وهلع يسكن في بواطن عقولنا، وقد ورد في الحديث الشريف أنه أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى أبيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، وفي اللغة جهنم هي السوداء المجهمة. بل حتى إن بعض رجال الدين يفسرون ارتفاع حرارة الصيف في بلادهم بأنه «من فيح جهنم»، ونصف الحر الشديد بأنه «جهنم الحمرا». إذن نحن نهدد إسرائيل بالحرق لأن النار تمثل قمة العذاب في عقولنا وتعاليمنا الدينية.

هناك تفسير آخر لتهديد إسرائيل بالنار تحديدا، لعله يعكس حالة عجزنا عن عقابها أو «إزالتها» بطرق أخرى: سوف نقطع الاتصالات وخدمة الإنترنت عن إسرائيل ونسقط أقمارها الصناعية ونعزلها عن العالم. سنعمل على التشويش على أجهزة اتصالاتها وهواتفها والتشويش على مطاراتها وراداراتها ونجعلها تعيش في انقطاع دامس عما يجري حولها. سوف نحاصر موانئها ونوقف حركة الملاحة البحرية عنها، ونغلق منافذها البرية حتى تذوي حصارا وتستسلم قبل أن تموت. سوف نمنع عنها تصدير التكنولوجيا والسيارات والطائرات والقطارات المتطورة التي نحتكر صناعتها في العالم ونصنع الأجود فيها، وسنمنع وصول الأدوية والعقاقير اللازمة لمرضى السكر والقلب والضغط وأمراض الشرايين والشلل والجدري والكوليرا، فتنتشر بها الأمراض وتهلك وتستسلم. لأننا لا نملك هذه الأسلحة، فإننا نهددها بالنار وبالحرق انعكاسا ربما لعجزنا عن مواجهتها، فنتوعدها بنار جهنم، وإن لم نصرح بذلك علنا: حتروحي من ربنا فين؟!

بعد تهديده بحرق نصف إسرائيل بأربعة أشهر، أحرق صدام الكويت، ترى! من ستحرق إيرانُ بعد إطلاق تهديدها بحرق تل أبيب؟!