نجاح الأميركيين في أفغانستان يعتمد على مدى تعاون مخابرات باكستان

TT

في عددها الصادر يوم السابع من ايلول (سبتمبر) الماضي، حذرت مجلة «جينز الدفاعية» من امكانية تعرض الولايات المتحدة لعمليات ارهابية، واعتمدت في تقريرها على معلومات تلقتها من مراسليها في بيروت والضفة الغربية، بأن اميركا صارت هدفا لغضب متزايد لكثير من الاسباب كان آخرها كلمة الرئيس الاميركي جورج بوش في 24 آب (اغسطس) التي طالب فيها بوضع نهاية لـ«الارهاب الفلسطيني» من دون ان يضغط لانهاء العمليات الاسرائيلية، وان هناك اشاعة تقول ان الصاروخ الذي استعمل في قتل ابو علي مصطفى (الامين العام للجبهة الشعبية) كان اميركيا. وقال مراسل المجلة في بيروت ان هناك نشاطا اميركيا ملحوظا لمكافحة الارهاب، وقالت المجلة بالتحديد: ان اسامة بن لادن مسؤول عن عمليات ارهابية سابقة. وحذرت المجلة من ان اميركا ستكون هدفا لعمليات مستقبلية من مجموعة بن لادن. المجلة لم تحدد الاهداف او التوقيت لانها لم تكن تعرف حتما. وفي اتصال مع رئيس تحرير «جينز الدفاعية»، اليكس ستانديش، قال: ان الاميركيين استثمروا كثيرا في المراقبة التكنولوجية المتقدمة جدا لجمع المعلومات، انما لم يستثمروا بما فيه الكفاية في جمع المعلومات على الارض. واضاف، ان المجلة ذكرت انه من الصعب على اميركا ان تظهر نفسها من جهة انها غير مهتمة او لا علاقة لها بالمفاوضات، ومن جهة اخرى تأتي كلمة الرئيس بوش او تنسحب من مؤتمر مواجهة العنصرية، فهذا يجعل اميركا هدفا لغضب العرب والمسلمين.

عن العمليات الاخيرة، يعتقد ستانديش ان الاعداد لها بدأ بعد تفجير المدمرة كول في اليمن، اي منذ سنة تقريبا. انما توقيت تنفيذها جاء ليلفت النظر الى ما يجري في الشرق الاوسط. فلو لم يتصاعد العنف في الاراضي الفلسطينية لربما ما وقعت هذه العمليات الآن، «لا استطيع ان اجزم بانها ما كانت ستقع على الاطلاق. انما التوقيت مميز».

لكن، هل يعتقد ستانديش انه اذا غير الاميركيون في سياستهم الخارجية وبالذات تجاه الشرق الاوسط وبدلوا في اولوياتهم، يمكن القضاء على الارهاب؟ يقول: انه امر صعب، فهذه بريطانيا واسبانيا منذ سنوات تواجهان ارهابا في آيرلندا الشمالية والباسك. ما لم نعالج اسباب الارهاب حقيقة لن نصل الى حل، اذ يمكن القضاء على احدى المنظمات مثلا او اعتماد سياسة القتل، كما تفعل اسرائيل، لكن كل العمليات العسكرية والامنية لا يمكنها ان تلغي الاسباب التي تؤدي الى الارهاب، هناك حاجة اساسية لحل سياسي. ويقول اليكس ستانديش انه من الصعب ان تلعب اميركا دورا حياديا في الشرق الاوسط، لانها المزود الاول عسكريا وماليا لاسرائيل، ثم «لا اعتقد ان جورج بوش يدرك معنى التاريخ والاسلام، وعندما سئل هنري كيسنجر، ما اذا كان يعتقد ان السياسة الخارجية لاميركا ادت الى ما جرى الاسبوع الماضي، اجاب: (لا استطيع ان اتخيل لماذا) المشكلة ان هناك وجهة نظر سائدة في اميركا، ان الناس يكرهون اميركا لانها ديمقراطية وناجحة، ولا اعتقد انهم يدركون ان البعض يراها تنشر اللاعدالة الاقتصادية والاجتماعية».

ويضيف عن مرحلة ما بعد تعرض اميركا لعمليات ارهابية: «يقلقني دائما نقص المعلومات التاريخية لدى الاختصاصيين الاميركيين، لا سيما في الحقل الامني. وكي ندرك مشكلة الافغان علينا ان نسترجع ماضي الامبراطورية البريطانية والمأساة التي لحقت بها في القرن التاسع عشر. السوفيات لم يتعلموا من التجربة وحلت بهم الكارثة، وتخوفي من ان الاميركيين لن يتعلموا من التجربتين وقد يتسببوا في مأساة اضافية». ولكن، ما هي الخيارات العسكرية امام الاميركيين الآن؟ يقول اليكس ستانديش: «لنفترض ان قيادة الطالبان لن تسلم اسامة بن لادن، عندها اعتقد ان هناك ثلاثة احتمالات:

الاول هو ان يشن الاميركيون غارات جوية على مباني حكومة الطالبان وعلى قواتهم، كما فعلوا في يوغوسلافيا. ستكون لدى الاميركيين اهداف مختارة، ثم انه من السهل جدا قصف الوزارات والمطارات والطرقات والجسور، لانها اهداف ثابتة».

ولكن، ليس لدى الطالبان مؤسسات ولا اعتقد انه بقي في افغانستان جسور وطرقات ومبان؟! يرد ستانديش: «ما زالت لدى الطالبان مبان للوزارات في كابول العاصمة. ثم هناك المنشآت العسكرية والمخيمات وهناك اهداف يمكن قصفها.

الاحتمال الثاني يعتمد بأغلبيته على مدى تعاون باكستان مع الاميركيين. من المؤكد ان المخابرات الباكستانية لديها معلومات عن الوضع داخل افغانستان، افضل من اي طرف آخر، اذ لا وجود لبعثات ديبلوماسية غربية دائمة في افغانستان.. لذلك، اعتقد انه اذا قرر جهاز المخابرات الباكستانية دعم واشنطن وتوفير المعلومات لها، عندها من المحتمل ان يقصفوا بالصواريخ اهدافا ترتبط ببن لادن، كالمخيمات مثلا، بدل الاكتفاء بقصف مؤسسات تابعة للطالبان، هذا قد يصبح ممكنا، اذا توفرت للاميركيين فكرة جيدة عن مكان وجوده. لكنهم حاولوا عام 1998، بعد قصف السفارتين الاميركيتين في دار السلام ونيروبي، وفشلوا. وفي هذه المرحلة بالذات، لا يمكن للاميركيين ان يشنوا عمليات عسكرية ضد افغانستان، ثم بعد شهر يظهر بن لادن في مكان آخر. لا يمكن للاميركيين تحمل هذه النتيجة، لانها تظهر الرئيس الاميركي جورج بوش كأحمق، وعاجز، وتبدو اميركا بالتالي غير قادرة على الدفاع عن مصالحها.

ونصل الى الاحتمال الثالث، وهذا ايضا يمكن حدوثه اذا توفرت المساعدة من طاجكستان او باكستان، وعندها يمكنهم ان يدخلوا افغانستان عبر قوات الدلتا، او طائرات الهليكوبتر، انما عليهم قبل ذلك ان يكونوا مزودين بمعلومات امنية وفيرة وكاملة وجيدة من الباكستانيين، ويمكن ان توفر المعلومات الدقيقة ايضا بعض المجموعات المعتدلة من الطالبان، لان الطالبان بحد ذاتها ليست حركة موحدة، فهناك آراء واتجاهات مختلفة، وقد ظهر ذلك في الماضي عندما كانت الوزارات المختلفة تصدر بيانات مختلفة تتعلق بموضوع واحد. مثلا وزارة الخارجية تميل الى الاعتدال. اذن، يمكن لبعض المجموعات المعتدلة في الطالبان التي ترى بأن بن لادن صار عبئا على افغانستان، ان توفر المعلومات الامنية الاضافية، عبر باكستان وليس مباشرة الى الاميركيين. وبهذا يمكن للطالبان، انقاذا لماء الوجه، ان يرددوا علنا بانهم لن يسلموا بن لادن، انما سرا يمكن للحلفاء ان يدخلوا افغانستان عبر قوات خاصة باتجاه هدف واحد محدد (بن لادن) فيقتلونه او يعتقلونه».

ويعتقد ستانديش ان هذه هي الاحتمالات الرئيسية الثلاثة امام الاميركيين والحلفاء، والفت نظره الى التحالف الشمالي الافغاني المعارض الذي قدم خدماته، فيوضح ان هذا التحالف يمكن ان يقوم بدور مختلف، خصوصا انه يسيطر على 10% من البلاد، ثم انه مشتت بعد اغتيال قائده العسكري احمد شاه مسعود، «والتحالف الشمالي ليس بالقوة الواحدة، وهذا سبب بعض هزائمه، فهو يضم زعماء حرب يتقاتلون في ما بينهم ولهم مصالح متصارعة، انما على المدى الطويل، يمكن للاميركيين ان يقدموا المساعدات الاضافية للقائد الجديد للتحالف الشمالي، اذا استطاعوا ان يتوحدوا بمساعدة الاميركيين ايضا ومستشارين اجانب. واعتقد ان التحالف اذا توحد يستطع ان يسترجع بعض المقاطعات الافغانية، ثم ان الاميركيين في حال الصراع العسكري الطويل الامد ضد الطالبان، قد يلجأون الى افغان آخرين».

واسأل ستانديش عن صحة ما تردد من انقسامات داخل الجيش الباكستاني، فيؤكد ذلك ويضيف: «علينا ان نقبل بان الجنرال برويز مشرف ديكتاتور عسكري ينقصه دعم القاعدة السياسية».

لكن، هل هو مخادع؟ يقول ستانديش: «مشكلة مشرف انه لجأ الى الورقة الوطنية وكذلك تبنى المواقف الاسلامية المتطرفة في كشمير وقد مدحه الاعلام الباكستاني عندما تبنى خطا متشددا مع الهند، لكن ما حدث من عمليات في نيويورك وواشنطن لا يريح مشرف. فمن جهة عليه ان يقرر الى اي مدى يمكنه ان يدعم علنا اميركا، لان هناك علاقات وثيقة ما بين الباشتون (الذين ينتسب اليهم الطالبان) في باكستان وفي افغانستان، ومن جهة اخرى يعرف ان هناك مجموعات اسلامية متشددة في الجيش لديها تحفظات متشددة ضد فكرة وجود قواعد وقوات اميركية في باكستان. لذلك، من احد المخاطر المخيمة على باكستان امكانية وقوع انقلاب عسكري على مشرف يقوم به ضباط متشددون، بعد ذلك ربما يتم تشكيل حكومة في اسلام اباد موالية للطالبان وهذا سيتسبب في الكثير من المشاكل، خصوصا ان باكستان دولة نووية ولديها جيش كبير وقوي، ووضعها مختلف عن الطالبان في افغانستان الذين لا يملكون قدرة نووية. اذا حدث هذا فان الاخطار قد تزداد، لا سيما اذا تزعزع استقرار باكستان بسبب الانقسامات ما بين المتشددين والذين يريدون التوصل الى تسوية مع الاميركيين». وهل يبرز خطر صراع شيعي ـ سني في باكستان في حال وصول حكومة موالية للطالبان في اسلام اباد؟ يجيب ستانديش: «ان هذه المشكلة قائمة بين الطالبان وايران، ويمكن لهذا الوضع ان ينتقل داخل باكستان، لكن اذا راجعنا ما يحدث في باكستان منذ سنتين فان ردة الفعل ستكون اسلامية جامعة، واذا تزعزع استقرار باكستان فان دولا كثيرة اخرى لن تنجو من المصير نفسه».

ويضيف ستانديش: «ان الادارة الاميركية مضطرة الآن للرد على العمليات بعنف، فالاعلام يحثها على ذلك، وكذلك الرأي العام، والمشكلة اننا لا نملك الضمانات بأن الرد سيكون مثمرا. ومن المتعارف عليه ان اخطر انواع الارهاب هو العمليات الانتحارية، لانه من المستحيل القاء القبض على شخص مستعد للموت (...) انه تحد كبير للرئيس بوش، فهو بنظر الكثير من الاميركيين لا يملك اي اطلاع حول السياسة الخارجية، وهناك مواقع على الانترنت مكرسة فقط لاظهار اخطائه، وحاليا يواجه اكبر تحد في تاريخ اميركا، وهذا التحدي اما سينقذه او يقضي عليه. فهو اما ان يبرز كرئيس قوي، خصوصا اذا نجحوا في القاء القبض على بن لادن، فترتفع شعبيته الى ما لا نهاية، لكن، اذا تحولت كل الاستعدادات لكارثة في السياسة الخارجية فان التاريخ لن يقول عن بوش انه الرئيس المسؤول فقط عن هذه الكارثة بل انه الرئيس الذي فشل في حماية الولايات المتحدة، وهذا ما لا يريده اي رئيس».

لكن، هل يستطيع الاميركيون القاء القبض على بن لادن او القضاء عليه؟ يقول ستانديش: «اذا كانوا مستعدين ان يوفروا كل شيء، وبذلوا جهودا قوية، عندها يمكن اعتقال او القضاء على اي انسان في العالم. المثل القديم يقول: (يمكنك الهرب لكن لا تستطيع الاختباء). وهذه هي فلسفتهم الحالية، انما هذا يعتمد على الفترة الزمنية التي تحتاجها العملية، لان الاميركيين يطالبون بعمل سريع، فالمجتمع الاميركي قائم على الارضاءات السريعة، يريدون غذاء سريعا، وخدمات فورية، لا يعرفون قيمة الصبر. واذا كانوا يريدون نتيجة سريعة فعليهم ان يقرروا اللجوء الى ترتيبات خطيرة ومتطرفة للحصول عليها، واذا بقي بن لادن حرا بعد ثلاثة اشهر من الآن فان بوش سيبدو ضعيفا، لذلك عليه ان يفعل شيئا، وإنْ كنت غير مقتنع بما اذا كان هذا العمل لمصلحة اميركا او لمصلحة السلام بشكل عام. لقد تجاوزت الوعود الآن حدود التراجع. والخوف ان لا تأتي النتائج كما يرجوها الرأي العام الاميركي.