باكستان.. الحل الوحيد لأفغانستان

TT

ينفي الباكستانيون مرارا كل ما يقال عن علاقة أجهزة رسمية، أو قيادات في الدولة، بحركة طالبان والحركات المتطرفة التي تزداد انتشارا في أرجاء مختلفة من البلاد وتمتد إلى أفغانستان. لكن الكثير من الأدلة يشير إلى علاقة مستمرة لم تنقطع منذ أيام حكم طالبان العاصمة الأفغانية كابل. وهذا ما قاله رئيس وزراء بريطانيا الذي افتتح أولى معارك حكومته الجديدة مع النظام الباكستاني، متهما إياه بأنه متورط في علاقات مع الجماعات الإرهابية.

وبسبب ذلك يتجه التفكير نحو معاقبة باكستان، وهذا في رأيي سيكون خطأ رهيبا. على العكس تماما، المطلوب كسب الجانب الباكستاني والمحافظة عليه، لأن بقاء النظام واقفا على قدميه ضرورة للقضاء على التطرف والإرهاب في شبه القارة الهندية وأفغانستان، ومن دون باكستان مستقرة ستكون المنطقة ممزقة وخارج سيطرة العالم تماما.

الهند، وحكومة كرزاي في أفغانستان، تصران على أن في باكستان داعما خفيا وراء إفشال حرب الإرهاب في المنطقة. وحتى لو افترضنا أن التهمة صحيحة بدرجة ما، فإنه لا يوجد حل عسكري لها، لأن ملاحقة القوى الباكستانية الداخلية ستمزق نظام الدولة التي هي أكبر دولة رئيسية تواجه الإرهاب. وحتى نعرف حجم الخطر المحتمل يكفي أن نقارنها بالمناطق الساخنة. فأفغانستان والصومال واليمن والعراق، أي ساحات الحرب الأربع الأبرز التي تنتشر فيها الجماعات الإرهابية، كلها مجتمعة أصغر سكانا من باكستان، وبالتالي علينا أن نتخيل كيف لو أصبحت باكستان صومالا آخر!.. سنرى صورة مروعة.

من المؤكد أن باكستان تعاني من تغلغل الحركات المتطرفة، وعلى أرضها توجد جماعات إرهابية من بينها «القاعدة» وحركتا طالبان الأفغانية والباكستانية، وربما توجد داخل النظام الباكستاني، العسكري أو الأمني، قوى تعتقد أنها تلتقي مع هذه التنظيمات المسلحة في أهدافها الأخيرة، من حيث مواجهة الهند ومحاربة حكومة كرزاي المعادية لإسلام آباد، وتقوم بدعمها. رغم هذه العلاقة المحرمة فإن محاولة معاقبة النظام الباكستاني ستؤدي إلى فوضى قد تتسبب في انهيار النظام.

والولايات المتحدة وحلفاؤها عاجزون اليوم عن تأديب نظام صغير مثل نظام كرزاي، فكيف سيقدرون على مواجهة القوى الباكستانية المتمردة؟ وربما كان عجزهم عن فهم العلاقة الباكستانية في إدارة أفغانستان تحديدا وراء فشلهم في تثبيت نظام كابل الجديد، وعجزهم عن هزيمة طالبان، التي خرجت من تحت الرماد قوة متجددة، ووراء بروز جماعات إرهابية أخرى. فإصرار واشنطن منذ تسع سنوات على إقصاء باكستان من أي دور في أفغانستان، التي كانت دائما مزرعتها الخلفية، جعل ميزان القوى الأفغانية في حالة انعدام وزن مستمرة، لأسباب قبلية وديموغرافية وباكستانية.

إشراك باكستان مفيد خاصة أن نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن قالها صريحة في آخر زيارة له إلى هناك، إنه لم يعد مهما لبلاده الإصرار على صيغة نظام سياسي محدد، بل المهم هو التوصل إلى حل يرضي كل الأفغان، ويحقق السلم الأهلي. أي بعبارة أخرى الولايات المتحدة تخلت عن مشروع الرئيس السابق جورج بوش ببناء نظام ديمقراطي هناك، والتشجيع على مثله في باكستان. وهذا يعني العودة إلى لعبة المحاور الإقليمية، ولا مناص من التعاون مع النظام الباكستاني في إدارة أفغانستان بدل إرضاء كرزاي الذي كسب الانتخابات الأخيرة بالتزوير، وهو في الوقت نفسه عاجز عن حكم أفغانستان من دون الأميركيين. على الولايات المتحدة، التي أمضت في أفغانستان أكثر مما قضته في فيتنام، أن تدرك أخيرا أن باكستان، بكل عيوبها، قد تكون المخلص الوحيد، وإشراكها بشكل كبير في إدارة أفغانستان ضرورة مع تأجيل بناء نظام سياسي مقبول دوليا إلى مرحلة لاحقة، أما الآن فالوضع يزداد سوءا على جانبي الحدود.

[email protected]